السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الاقتصاد الأصغر قبل الأكبر

تعودنا في حياتنا اليومية أن نردد كلمات، أو نسمعها دون أن نفكر في دلالاتها ومعانيها، نتعامل معها على أنها أسماء لأشياء، أو كيانات نحن نعرفها حق المعرفة، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فأكثر الكلمات تكراراً على الألسنة قد تكون أكثرها غموضاً في الأذهان، وأبعدها عن الفهم السليم الذي يرتب وعياً بالواقع، وحسن تصرف فيه، وصواب التعامل معه.

نكرر كلمة الدولة، واقتصادها، ودخلها القومي؛ وكأننا نتكلم عن شيء بعيد عنا في مجلس الوزراء، وفي الوزارات المختلفة والبنك المركزي، هي كيان آخر، ومخلوق آخر؛ نحن بعيدون عنه، لا دخل لنا به، ولا علاقة، والحقيقة أننا كأفراد نقع في القلب من الدولة، فالبشر هم جوهر وجودها، بهم يكون للأرض معنىً واسم، وللجغرافيا قيمة، وللتاريخ وجود، وهم أيضاً حقيقة الاقتصاد والدخل القومي، ومصدر الميزانية، ومصارف إنفاق هذه الميزانية، إذن فمجموع السكان هم جوهر وجود الدولة، ومصدر دخلها، ومن ينمي هذا الدخل وينفقه، أو يبذره أو يهدره.

فكما أن الدولة هي مجموع المواطنين الذين يعيشون على قطعة أرض يملكونها، وتدير شؤونهم هيئة يسمونها الحكومة، فإن اقتصاد الدولة هو مجموع اقتصادات المواطنين، مضافاً إليها الموارد الموجودة في الأرض التي يملكونها، أو الخدمات التي يقدمونها لمن يزور أرضهم أو يمر بها، ومن هنا فإن هذا الاقتصاد الكبير للدولة هو حاصل جمع اقتصادات الأُسر أو الأفراد الذين يعيشون فيها.


لذلك فإن الحديث عن اقتصاد الدولة، وهو الاقتصاد الأكبر لا يمكن أن يتم بعيداً عن اقتصاد المواطن وأسرته، وهو الاقتصاد الأصغر، ومن هنا فإنه لا يمكن إصلاح الاقتصاد الأكبر بدون إصلاح الاقتصاد الأصغر، ولا يمكن النهوض بالاقتصاد الأكبر قبل النهوض بالاقتصاد الأصغر، إذن هما مترابطان، لا.. بل هما شيء واحد لا ينفصل، كالجسد وأعضائه، علاقتهما علاقة الكل بالجزء.


وإذا أدركنا هذه الحقيقة، فإننا مطالبون أن نتصرف في حياتنا اليومية طبقاً لها، وأن يكون سلوكنا انعكاساً لهذا الإدراك، وإلا خرجنا من دائرة العقل والرشد إلى الجنون والسفه، فسلوك الإنسان نابع من إدراكه، وهذا الإدراك يستوجب علينا في أوقات الأزمات، مثل التي نعيشها اليوم مع انتشار فيروس كورونا، أن نفكر ونتصرف بطريقة جديدة تستجيب للتحديات التي فرضتها هذه الأزمة، سواء بتغيير أنماط وطريقة العمل والإنتاج، أو بتغيير سلوكيات وأساليب الاستهلاك، لأنه بدون تغيير الاقتصاد الأصغر، اقتصاد الفرد والأسرة واستجابته السريعة والفعالة للتحديات، فلن يمكن الحفاظ على ازدهار وتقدم الاقتصاد الأكبر، اقتصاد الدولة والمجتمع.