الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

«تقدم تركي» في طريق ليبي مسدود

متابعة الأنباء المتعلقة بالمعارك في ليبيا ـ مثل معركة الوطْيَة أو غيرها ـ بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، ليست كافيةً لفهم ما يجري في ليبيا من تغيرات.. صحيح أن ميليشيات الوفاق توصَّلت إلى السيطرة على قاعدة الوطْيَة، وهي قاعدة مركزية في الحسابات العسكرية والسياسية للطرفين، لكن اكتمال الصورة يتطلب استدعاء لكل زوايا المشهد.

لسنا إزاء معارك بين طرفين سياسيين يتوفران على قدرات عسكرية، نحن إزاء حرب طويلة المدى بين مشروعين، مشروع وطني ومشروع أيديولوجي، كلاهما يدَّعِي امتلاكه للوجاهة السياسية والأيديولوجية.

تغريدة ياسين أوقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مدخل مهم للنفاذ إلى عمق القضية، فقد قال أوقطاي: «اليوم في 18 مايو، وفي الذكرى السنوية لمقاومة الاحتلال في الأناضول، خطوة كبيرة تمت في ليبيا نحو التحرر الكامل من الاحتلال بالنصر الكبير في قاعدة الوطية».


تغريدة أوقطاي تتضافر مع ما قاله وكيل وزارة الدفاع بالحكومة الليبية، صلاح الدين النمروش، ومفاده: «أن تعاون طرابلس مع الحكومة التركية هو حق سيادي لا يخالف القانون الدولي»، ويعززها ـ للمفارقة ـ ما أعلنه المتحدث باسم خارجية حكومة الوفاق، محمد القبلاوي، حين هدد «سنتوجه إلى مجلس الأمن بأدلة على انتهاك دول لقرار حظر صادرات السلاح إلى ليبيا».


جَمْعُ هذه المواقف المبعثرة يُسَهِّل تركيب المشهد الليبي الراهن، على قاعدة البحث عن بيت القصيد، الذي هو التدخل التركي الفاقد لكل الوجاهة القانونية أو السياسية، رغم إصرار الأتراك وإخوان ليبيا على أنه تدخل «مشروع»، مع تنديدهم بالتدخلات الخارجية الأخرى «غير القانونية» في العرف الإخواني.. هنا تصبح متابعة الوقائع الميدانية المتغيرة بلا فائدة سياسية، كما لا تفيد في تلمس المآلات المقبلة.

تخاض الحروب على المدى البعيد، وفي هذا المبدأ أسطر فرعية مفادها أن الإخوان وحكومة فايز السراج ومختلف الميليشيات الإرهابية، لا قدرة لها على الحسم في ليبيا، و«الإنجاز» هو تركي كما أشار أوقطاي وكما هلَّلت له مجاميع الإخوان.

بهذا المعنى تصبح كل المعارك في ليبيا مجرد فصل في مسلسل لم يبح بعد بكل أسراره، لكنه يعِدُ بتغيرات كبرى ستكون بالضرورة في غير صالح الغزو التركي الصريح، والمحدد لهذه التغيرات سيكون تضافر عوامل كثيرة أولها: امتعاض قبائل الغرب الليبي من الحضور التركي، وثانيها: الخطر الذي سيمثله العبث التركي بالخرائط على جوار ليبيا، وثالثها: أثر الضغط التركي الداخلي على كبح جماح عربدة أردوغان في المنطقة، ورابعها: التوجُّس العالمي من أصابع أنقرة الممدودة في العالم.