السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مرثيّة في «نعي الوعي»

هناك صورة أو هو مشهد معبِّر وعظيم ورد في حديث شريف للرسول، صلى الله عليه وسلم، لا أحفظ نصه حيث جاء أنه صلى الله عليه وسلم يحول بيننا وبين النار، مثل من يقف بين الفراشات والأضواء ليثنيها عن الوصول إلى هذه الأضواء، لكن ملايين الفراشات تتفلت منه وتصل إلى الأضواء فتحترق بها، وفراشات أخرى تستجيب وتفر بعيداً لتنجو!

هذا بالضبط ما يفعله المصلحون، فهم واقفون بين الناس والهاوية، لكن الناس مصممون على السقوط، محاولات يائسة لما يسمونه تشكيل وإعادة الوعي، والمؤسف حقاً أن كل أو جل المؤسسات والهيئات المسؤولة عن تشكيل وإعادة الوعي المفقود هي نفسها التي تبذل جهوداً جبارة وأراها ناجحة لتغييب وتخييب (من الخيبة) وتخريب الوعي والعقل، وأخطر ما يصيب المرء أن يضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، وهذا النوع من البشر إذا قيل له: اتقِ الله، أخذته العزة بالإثم.

هناك تحالف شيطاني لتغييب الوعي خصوصاً في أمة العرب، الكل يتكلم ولا أحد يسمع، الكل يجيب ولا أحد يسأل، الكل يعرف ولا أحد يجهل، الكل مشغول بنجوميته وشهرته، وتسوُّل المعجبين والمشيدين والمتابعين على جثة الحقيقة التي خرجت من أمتنا ويبدو أنها لن تعود، وعندما غاب وخاب وخرب الوعي تحول عامة الناس إلى ضحايا ومجرمين في الوقت ذاته، فقد تم تزييف وعيهم وتخريب عقولهم، فصاروا يتصرفون ضد أنفسهم بشكل جماعي، والذين راهنوا على وعي الناس كانوا دائماً أول القتلة لهذا الوعي، والرهان على وعي الناس في جائحة كورونا مجرد إبراء ذمة من المراهن وكأنه يقول: نحن أبرياء، وأنتم السبب عملاً بالمثل العربي الشهير «رمتني بدائها وانسلَّت»!


العرب جميعاً الآن مرسِلون ولا يوجد مُتلقّون، العرب جميعاً الآن إعلاميون، فكل عربي تقريباً لديه صفحة أو مدونة أو قناة على المواقع يقول فيها ما يعنّ له، بصرف النظر عن الحقيقة، يقول كل شيء إلا الحقيقة، والغلبة دائماً والشهرة والنجومية لمن سبَّ وتجاوز وتطاول وخرج عن النص والنسق القيمي.. إنها ثقافة الزحام الكل يتنافس أو يتصارع على عيون وآذان وعقول الناس بالكذب والإثارة والتهييج، الغلبة لأهل الدجل بالدين والسياسة والفن والثقافة وحتي الطب.


أما كاتب هذه السطور فيراهن على أن غياب الوعي سوف يطول، ويبدو أنه اشترى تذكرة ذهاب بلا إياب، لذلك يمكن اعتبار هذه السطور مجرد مرثيَّة في نعي الوعي!