الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أسود.. أم أبيض؟

لم يكن اختيار رئيس أسود للولايات المتحدة لدورتين متتاليتين كافيا لأن يمنع عن ملايين المواطنين السود في أن «يعاملوا بشكل مختلف بسبب العرق»، وفق بيان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما نفسه يوم الجمعة الماضي، والذي حدث أن (جورج فلويد) وهو مواطن أمريكي من أصل أفريقي، قتل أثناء إلقاء القبض عليه من قبل الشرطة في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا.

والضابط الذي تعامل معه بغلظة أدت إلى موته هو رجل أبيض، هو وبقية زملائه، مما فجر غضب المواطنين السود بالمدينة، فخرجوا إلى الشوارع، ومع الغضب جرت عمليات إحراق ونهب لعدد من المنشآت بالمدينة، ومع انتشار لقطات الاعتداء على جورج فلويد، تحرك الغضب في عدد من المدن الأمريكية، حتى وصل بالقرب من بوابات البيت الابيض الخارجية، مما استدعى إغلاق البوابات الداخلية.

ما جرى الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة يؤكد مجددا أنه لا يوجد مجتمع على وجه الأرض بلا أزمات انسانية وثقافية واجتماعية، فبعض هذه الأزمات قد يكون مرتبطًا بتكوين المجتمع نفسه، بغض النظر عن مدى التقدم العلمي الذي يحققه والوفرة المادية به، وأقصد أن بعض الأزمات لا تكون مرتبطة بالضرورة بالفقر أو التخلف العلمي، كما يتصور فريق من المحللين العرب، ذلك أن المجتمع المثالي لم ولن يوجد بعد، والمدينة الفاضلة ومجتمع الملائكة مجرد خيال إنساني فقط، فالأزمات مرتبطة بالحياة، والمهم حجمها في المجتمع وألا تصبح الحياة كلها أزمات.


الفارق بين مجتمع وآخر، دولة وأخرى، هو مدى الاعتراف بوجود أزمة، فهناك مجتمعات تفضل الانكار أو التستر على الأزمات، وتعتبر مجرد الاشارة إليها يسيء إلى المجتمع ويشوه صورته، أما بعضها الآخر وبعض الدول فتتعامل بعنف بالغ مع مثل هذه الأزمات، مما يفاقمها وتصبح عنصر انقسام وتفتت بالمجتمع، وقد تقود إلى انفصال تام، والنماذج عديدة حول العالم وفي منطقتنا تحديدا.


إن بعض الأطراف تحول مثل الازمات إلى مكايدات سياسية رخيصة ومبتذلة، يكون الهدف منها ابتزاز طرف بانتهازية الفجة، بعيدة عن البحث عن حل أو دعم المأزومين.

إن بعض المجتمعات والدول تتصور أن الإرضاء السياسي العابر قد ينهي الأزمة، مثل الدفع بمواطن أسود إلى الرئاسة في الولايات المتحدة أو اختيار مواطن مسلم في منصب رفيع في بلد أوروبي، إلا أن هذا الإرضاء يمنح الكثيرين الأمل في مستقبل أفضل، لكن الأزمات ذات الطابع الثقافي العميق تحتاج عملا دؤوبا ومتواصلا على مختلف المستويات.