الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أوروبا وأحداث أمريكا.. الفرحة الصامتة

يتابع الإعلام الأوروبي من كثب ما يحدث في الولايات المتحدة منذ اندلاع التظاهرات الصاخبة والمواجهات العنيفة بين شارع اجتماعي غاضب بسبب مقتل جورج فلويد، وبين قوات الأمن التي تواجهها تحديات جديدة - قديمة، لكن في ظرفية سياسة ملتهبة.

اللَّهجة الطاغية على الإعلام الأوروبي تظهر مقاربة تقليدية مفادها: أن تكوينة المجتمع الأمريكي المتنوعة تنتج وقود العنصرية، الذي يشعل التناقضات والمواجهات العنيفة، وطالما كان ينظر من وجهة آراء القارة العجوز: أن ديناميكية هذه المواجهات والتنافس يعدان من خاصيات، وربما، من محركات الحلم الأمريكي الشهير.

لكن هذه المرة يتمتع الوضع بميزات خاصة تجعل الأوروبيين، بما في ذلك البريطانيون، ينظرون إلى تطورات الوضع الأمريكي وانعكاساته المحتملة على المعادلة الانتخابية المقبلة بنوع من الأمل والتفاؤل.


وهناك قناعة أوروبية يصعب التعبير عنها على المستوى السياسي الرسمي، لكن نجد لها آثارا قوية في مراكز التحليل السياسي، وعند صانعي الرأي العام الأوروبي، مفادها: أن ممارسة الرئيس دونالد ترامب الانفرادية اليومية في السلطة أسهمت بشكل كبير في صب الزيت على نار التناقضات الاجتماعية الأمريكية، حتى إن البعض تفاجأ عن تأخر هذا الانفجار الاجتماعي الذي تعرفه بعض المدن الأمريكية.


فدونالد ترامب تبنَّى، ومن دون أي عقد، المدارس الأيديولوجية التي تنادي بالتفوق العنصري للبيض على السود، ضارباً عرض الحائط بأقوى وأمتن القيم التي بُني عليها النموذج السياسي الأمريكي، الذي يقضي بالتعايش السلمي، والمنافسة النزيهة بين مختلف مكونات المجتمع.

ردود الفعل الأوروبية والمسنودة بقوة سلطة بابا الكنيسة الكاثوليكية المنتقدة للاستعمال المفرط للقوة تجاه واشنطن، جاءت لترسخ الشرخ الكبير بين إدارة دونالد ترامب والقيادات الأوروبية، وتضع مُكبّراً على مواضيع سوء التفاهم التي ميَّزت العلاقات الأمريكية - الأوروبية، منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، سواء تعلق الأمر بالوضع المتشنج داخل المنظومة الأطلسية عن طريق معالجة الأزمات الإقليمية الملتهبة، أو على مستوى حرب الاقتصاد والجمارك أو حتى اللهجة الابتزازية التي استعملها ترامب اتجاه نظرائه الأوروبيين.

لا شك أن الحلم الخفي للقارة العجوز هو وضع الأمريكيين في شهر نوفمبر المقبل، نقطة نهاية للمغامرة الترامبية، التي وضعت العلاقات الأمريكية - الأوروبية على شفير القطيعة، ورسّخت النفور كمقاربة دبلوماسيّة بين حليفين تاريخيين واستراتيجيين.