الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

تنوير يخطئ الهدف

لم يكن ظهور تنظيم داعش إلا تطوراً طبيعيّاً لحركات الإسلام السياسي، التي ظهرت وتطورت بأشكال مختلفة طوال القرن الماضي، ولم يكن هذا التطور من فراغ، بل جاء مصحوباً باستراتيجيَّات وأفكار جهادية سلفية، بعضها قادم من بطون كتب التراث، وبعضها الآخر مكتوب ليرصد اللحظة الراهنة، وتطور الفكرة الجهادية.

حرصت كل جماعة من تلك الجماعات الراديكالية منذ بداية ظهورها على أن يكون لديها دستورها الخاص، وفَقِيهُها الذي يكيف لها الأحكام الفقهية حسبما تقتضي الحالة.

لقد استطاع الفكر الجهادي أن يطور نفسه على مدار السنوات الماضية نحو مزيد من الدموية والعنف، لكن في المقابل، لنا أن نسأل: ماذا قدَّمت النخب العربية خلال تلك المرحلة؟ وهل استطاع رُوَّاد التنوير أن يقفوا في وجه قادة الظلام والجهل؟ وهل استطاعوا تقديم أفكار تجابه ما قدمه مؤلفو كتب الجهاد، التي تجتذب الآلاف لقراءتها يومياً، سواء كانت مطبوعة أو على الإنترنت، أو حتى من فوق منابر المساجد؟ وهل استطاع المثقفون العرب تقديم نظرية حديثة للتنوير خلال تلك السنوات؟ إن الملاحظ هو أن العالم العربي يتحدث منذ أكثر من عقدين من الزمان عن أهمية تجديد الخطاب الديني، دون أن يأخذ خطوة جدية باتجاه هذا الطريق، حتى بدا كأنه مصطلح غامض لا يستطيع أحد فكه.


لم يقدم أحد من رواد التنوير العرب، ما يمكن الرد به على كتب الجهاديين، التي تتطور يوماً بعد يوم إلى تبرير سفك مزيد من الدماء، بل وتجتاز الحدود إلى الدول الأخرى.


بل إن التطور في «الفكر الجهادي» ليس فقط في دساتير العنف، وكتبهم التي ينظّرون فيها لأفكارهم، بل في استخدامهم للتكنولوجيا، ولآليات تكنولوجيا العصر، واستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع أفراده حول العالم. فبنظرة سريعة على مقاطع الفيديو التي ينتجها تنظيم داعش للترويج لجرائمه، أو لتحفيز أفراده، نكتشف مدى تمكنه من استخدام أحدث وسائل التصوير والمونتاج، وهو بالمقارنة برسائل تنظيم القاعدة قفزة كبيرة إلى الأمام.

لكن في مقابل كل هذا التطور في الفكر والأدوات الجهادية، ماذا قدَّمت النخبة العربية؟.. لدينا كثير من المراكز البحثية، وكثير من حلقات النقاش، وكثير من الدراسات والكتب، إلاّ أنها لم تصل إلى المستهدفين، الذين تصلهم رسائل الجماعات الجهادية بشكل أسرع حتى الآن.