الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«حياة السنجاب».. ونظرية المقاصد

هناك 3 نظريات أو اتجاهات للتعاطي مع جائحة كورونا؛ أولها: أن يستمر إغلاق العالم فترة طويلة حتى يُتَغَلَّب على الوباء، والأساسُ الأخلاقي لهذه النظرية أن حياة الإنسان أغلى من الاقتصاد والأعمال، وأنه لا معنى لهذه الأشياء إذَا فَقد الناس حياتهم، فالحديث عن إنعاش الاقتصاد على حساب الحياة، وفقاً لهذه النظرية، يُشبِه حالَ السنجاب في حكاية شعبية موريتانية.

تقول الحكاية إن أحدهم لقي السنجاب صدفةً وعرض عليه أن يسمح له بذبحه وأكل لحمه على أن يدفع له ملء جِلْدِه ذهباً؛ لكن السنجاب رفض الصفقة لأنها ستُكلفه حياته!

أما النظرية الثانية، فتدعو إلى فتح الحياة الاقتصادية وتطبيعها؛ لأن الأضرار التي ستنجم عن انهيار الاقتصاد العالمي قد تكون أشد فتكاً، إذ ستؤدي إلى هلاك الكثير من البشر بالجوع أو الأمراض الناتجة منه، ووفقاً لهذه النظرية، فإن العالَم قد يتحمَّل كورونا فترة طويلة؛ لكنه لن يستطيعَ تحمُّل الإغلاق فترة أطول؛ لأن الثمن حينئذٍ سيكون «حياة السنجاب»!


وتدعم هذه النظريةَ عدة معطيات؛ منها الدراسةُ التي نشرتها منظمة العمل الدولية، والتي تفيد بأن الإغلاق أدى إلى فقدان سُدس شباب العالم لعملهم منذُ بدء الجائحة، وتفيد إحصائيات أخرى بأن معدل البطالة في العالم وصل الآن إلى 10%، وهو في ازدياد، وأنذر تقرير للأمم المتحدة بأن 250 مليون شخص قد يعانون الجوع خلال 2020 بسبب الجائحة.


لكن، لا يمكن اعتمادُ هاتين النظريتين الأحاديتين؛ لأن أمور الناس لا يحكمها المنطق الصوري الذي يقول: إما هذا وإما ذلك، وهنا تأتي نظرية المقاصد التي ابتكرها الفقهاء المسلمون، والتي تنطلق من حقيقة بديهية، وهي أنه لا يوجَد في العالَم خيرٌ محضٌ ولا شَرٌّ محضٌ، ولذلك وجَبَ النظَرُ في تصادُم المفاسد بمنطق جدلي لا صوري، فإذَا تعانَدت مفسدتان مثلاً، كما هي حال العالَم اليوم، فيُنظَر في المآلات وسائر الترجيحات الأخرى، فقد تُدفعُ إحداهما بِقدر وتُدفَع الأخرى بقدرٍ حتى يحصُل التوازُن.

وتطبيقاً لذلك، نجد أن كورونا شَرٌّ مستطير، وإغلاق العالم شَرٌّ خطير، وإذاً يمكن تصوُّر الحل، وفقاً لهذه النظرية، بأن يُدْفَع الوباء بالقدر الذي لا يُؤدِّي إلى انهيار اقتصادي كامل، وأن يُرفَع الإغلاقُ بطريقة لا تسمح للداء بتدمير البشر.