السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

إدارة ترامب وأزمات أمريكا

إنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه الحالي وتياره المحافظ الذي ينتمي إليه والدولة العميقة الداعمة له، يعرفون تمام المعرفة أنّ أمريكا تعيش أزمات وجودية وجذرية وبنيوية حقيقية، وأنّ تصويب ومعالجة الوضع الداخلي هو الأساس لضمان بقاء حالة الاتحاد والتسيّد الخارجي.

إلاّ أنّه يتضح من خلال سياسات وإجراءات وقرارات ترامب، أنّ التشخيص للمرض الأمريكي كان معروفاً، ولكن تغاضوا عنه واستعاضوا برؤية أخرى مختلفة لقراءة الواقع المأزوم، خالفت كثيراً من الدراسات والتقارير التي تحدثت عن معضلة وإشكاليات الدولة الأمريكية واتحادها الفيدرالي ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذه المخالفة والمجانبة للتشريح الحقيقي للداء الأمريكي من قبل إدارة ترامب دلَّت عليها معالجات البيت الأبيض المتناقضة لملف الأزمات بالمجمل.

وتتلخص أزمات أمريكا المسكوت عنها في القضايا التالية: إشكالية التكوين التاريخي التي أسست لظهور الدولة الأمريكية الحالية، وأزمة الهوية التي انكشفت مؤخراً خاصة بعد انتهاء الصراع مع الاتحاد السوفييتي المتفكك، والقناعة التي بدأت تتشكل حول عدم قدرة النظام الرأسمالي المادي على الاستمرار، والذي جلب الكثير من الويلات لأمريكا والعالم وراكَم الثورة في أيدي فئة قليلة من البشر، عدا عن قضية الشكوك المجتمعية حول حقيقة تمثيل النمط الديمقراطي لقضايا الناس وتحقيقه لمطالبهم، وانكشاف حقيقة الثقافة الغربية؛ ثقافة الرجل الأبيض التي بدأت تؤزّم المجتمع هناك، إضافة إلى مسألة تحكّم أجهزة وجماعات الدولة العميقة في رسم خطط وسياسات أمريكا الداخلية والخارجية، وتشكّل صورة سيئة لأمريكا في العالم لأنّها تسببت في حدوث كثير من مشكلاته، إلى غير ذلك من الأزمات الأخرى.


والمفارقة المذهلة، أنّ ما يعرف بالدولة العميقة المتشكّلة من أجهزة غير منتخبة وجماعات ضغط ومصالح ولوبيات وكيانات موازية، والمتهمة بتسيير المشهد الأمريكي بالمجمل وإخضاعه للسيطرة التحكم، وأحد المتسببين في أزمات الولايات المتحدة، هو كما يقال من صاغ أجندة إنقاذ أمريكا التي ينفّذها اليوم ترامب وفريقه.


وبالتالي، فقد تجاوزت إدارة الرئيس ترامب الأسباب الحقيقية لهذه الأزمات بإلقاء اللوم على المهاجرين تارة والعالم ومشاكله والخصوم والمنافسين والحلفاء تارة أخرى، ولحين ذلك ستبقى أمريكا الاتحادية الرأسمالية المتسيّدة للعالم تحت احتمال التراجع والأفول والتفكك وربما التحارب الداخلي، ما يؤكد القول: إنّ انهيار أمريكا سيكون فكرياً داخلياً قبل كل شيء، وهذا ما انطبق على كثير من الحضارات والإمبراطوريات الأخرى.