الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

بين الواهم والفاهم!

يعاني العقل الفردي والجمعي العربي مشكلة كبيرة، هي اليوم وراء كل الأزمات والمحن التي تعيشها الأمة، تتمثل في أن الإنسان العربي يقاتل ويصارع من أجل أن يكون الحق معه، لا من أجل أن يكون هو مع الحق.

وأدى ذلك إلى ما أسميه حق القوة لا قوة الحق، كما أدى إلى أن أزمات لا تجد حلاً، ولا تضع حروب العرب بالسلاح والقلم واللسان أوزارها، لتشبث كل فريق بأنه وحده على الحق.

وعندما يرى الجميع أنهم كذلك، فإن كلهم على باطل والنتيجة هي انتصار الباطل، وهذه الرذيلة أدت إلى عدم جدوى الحوار، ليضحي حوار طرشان لأننا نتمترس حول قناعات وهميّة واستنتاجات مبنية على هلوسات لا حقائق.


هذا التمترس أدى إلى العناد واعتبار الحوار مباراة في الملاكمة، وكل هذا العبث العربي ليس سوى اغتيال للحقيقة، تماما كالمتهم الذي يوقن بأن الأدلة كلها ضده فيلجأ إلى حرقها وطمسها.


خذ مثلاً على البلاهة ومحاولة خرق وحرق الحق، أن معظم العرب يرون أن ما يحدث في أميركا من مظاهرات واحتجاجات بعد مقتل جورج فلويد ليس سوى ما يسمونه بالربيع الأمريكي تشبيها بما سموه زوراً وكذباً على الحق الربيع العربي، وهذا يؤكد ضحالة العقل العربي الذي يرى دوماً أن نفس المقدمات تؤدي إلى نفس النتائج، مع تثبيت كل العوامل الأخرى كالمكان والزمان وطبائع الشعوب وتركيبتها وفكرها، وهو نفس ما حدث من العرب وضحالتهم في أيام مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا.

إننا دائماً نرى أن نفس المقدمات تؤدي إلى نفس النتائج ونثبّت العوامل الأخرى، فنصل إلى استنتاجات خادعة وبلهاء ونحرق الحقائق في دقائق ونحن متكئون على أرائك الوهم، ولا تعنيني مظاهرات واحتجاجات أمريكا ولا ما حدث في فرنسا، وإنما يعنيني أن العربي مصمم على أن يلدغ من الجحر الواحد ألف مرة في نفس اللحظة، وأن الفكر الجمعي العربي غير سوي ويعتمد دائماً على استنتاجات خاطئة، وهو نفس ما يفعله الإرهابيون القتلة الذين ثبتوا كل العوامل وتوهموا أن المقدمات التي حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هي نفسها التي حدثت في أيامنا، وبالتالي ستؤدي إلى نفس النتائج، وهذا هو الفكر العربي الأبله والواهم الذي يظن أنه فاهم!