الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

سقطة التيارات السياسية «المتأسلمة»

شكلت ثورات الربيع العربي واحتجاجاته فرصة ذهبية لمعظم التيارات السياسية المتأسلمة ـ الإخوانية منها والسلفية ـ للخروج من مجالها الدعوي ونشاطها الاجتماعي الخيري الذي اختبأت وراءه طويلا، إلى فضاء الممارسة السياسية العلنيةـ سعياً للوصول إلى السلطة إما بالاستحواذ عليها إن أمكن، أو بالمشاركة فيها على الأقل.

ورغم أن هذه التيارات لم تكن وراء إشعال الحركات الجماهيرية، إلا أنها استطاعت ركوبها، وتأتَّى لها ما أرادت، مستفيدة من مجموعة عوامل أهمها:

أولاًـ كانت هي الحركات الأكثر تنظيماً وتواجداً في الساحة بفعل تغاضي أو تواطؤ السلطات معها في كثير من الأحيان، لتحجيم فعالية القوى العلمانية والتقدمية.

ثانياً ــ فشل التيارات القومية في تحقيق شعاراتها التحررية والوحدوية الفضفاضة، وأفول نجم القوى اليسارية والديموقراطية، التي تلقّت ضربات موجعة على مدى عقود من الزمن، جعلت منها كيانات هشة بلا امتداد على الساحة.

ثالثاً ـ الترويج لمنظومة قيم تدغدغ المشاعر والعواطف الدينية، وتتّشح بشعار حق أريد به باطل «الإسلام هو الحل» من دون تجشم عناء إثبات كيف سيحصل ذلك؟ وما خطط تنزيله إلى أرض الواقع؟.

رابعاً ــ الاستفادة من دعم خارجي وفَّرتْه لها قوى دولية كبرى، تحالفت معها في كثير من النزاعات، وكانت تراها قادرة على المساهمة في «دمقرطة» دول المنطقة.

وبالفعل فقد تحقق لمعظم التيارات المتأسلمة ما أرادت من الوصول إلى السلطة، ولو بشكل جزئي ونسبي في عدد من الدول العربية، وانطلقت تبشر بـ«المن والسلوى»، ولكن سرعان ما انكشف زيف خطابها، وبدأت بوادر فشل أطروحاتها تظهر جليَّة للعيان.

وكما كان منتظراً تحاشت تلك التيارات مراجعة نفسها والقيام بنقد ذاتي لخططها وبرامجها، إن كانت لديها أصلاً، وإنما سعت إلى تحميل ذلك الفشل للغير، فهذا الغير تارة هو إسرائيل و«قوى الاستكبار العالمي» ولوبيّات النفوذ الأجنبي؛ وطوراً هو أطر وكوادر ما تسميه في أدبيّاتها بالدولة العميقة، التي تفننت في تشبيههم حسب الحالات بالتماسيح والعفاريت، وغيرها من المصطلحات التي تلامس مشاعر المريدين، ولا تعني في الواقع أي شيء.

إن إلقاء لوم الفشل على الغير لم يمنع قوى من داخل هذه التيارات المتأسلمة، من محاولة القيام بنوع محتشم من النقد الذاتي، كما لم يمنع عدداً من المراقبين للساحات السياسية العربية من تعريَّة ضحالة الخطاب السياسي والاقتصادي والتنموي لتيارات الإسلام السياسي.

ففي سياق النقد الذاتي، بدا مستغرباً وغير مألوف ما كتبه أحد قياديي حزب الحرية والعدالة المنحل في مصر عن وقوع جماعته في فخ الانفراد بالحكم «انظر حمزة زوبع: أخطأنا وكذلك فعلتم...» موقع الحرية والعدالة بتاريخ 14/8/2013».

ورغم قوة هذا الاعتراف والجرأة التي ميزته فهو جزئي وتبريري، لا يصل إلى كنه الأسباب الموضوعية التي جعلت التيارات السياسية المتأسلمة تفشل في مهامها أينما وصلت إلى السلطة أو شاركت فيها، فهذه الأسباب تكمن في عاملين:

أولهما: لم تنشأ هذه التيارات في الأصل للبناء، وإنما جاءت كرد فعل مبني على فكرة المظلومية إزاء فشل سياسات عدد من الأنظمة، وما سبَّبَتْه من توترات سياسيَّة واقتصادية واجتماعية.

ثانيهما: لم تستطع هذه التيارات بلورة مشروع نموذج للحكم مستقر وعملي بأرقام وتواريخ محددة، عن كيفية مواجهة التحديات، وعن طريقة النجاح في معالجتها.

ولذلك ظلت المزايدة السياسية والاجتماعية عبر مفاهيم دينية فضفاضة قابلة لأكثر من تأويل، هي: أساس نشاطها للتغطية عن إخفاقها في طرح مشروع مجتمعي يوائم بين التقدم الحضاري والعلمي الذي ترنو إليه شعوب المنطقة، وبين أسس الدين ومبادئه الجوهرية السامية؛ الأمر الذي يسمح بالقول: إن التيارات السياسية المتأسلمة دأبت على مدى 90 سنة من نشأة نواتها الأولى، لا تفكر سوى في السبل التي توصلها إلى السلطة من دون أن تفكر ولو للحظة قصيرة في كيفية ممارسة هذه السلطة.

إن السقوط المريع لهذه التيارات ـ المُتَّشِحَة زُوراً بالدين ـ في عدد من السَّاحات، وسقوط أقنعة الورع والتقوى عن وجوه عدد من قيادييها في أخرى، لم يأتِ من فراغ.