الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

تونس.. دروس الشعْبوِية

سقوط اللائحة البرلمانية التي تعلقت بمطالبة فرنسا بالاعتذار للشعب التونسي عن الجرائم المرتكبة خلال الحقبة الاستعمارية، وفَّر تعبيرات كثيفة عن المشهد السياسي التونسي بما يكتنفه من تموجات.

فكرة مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائم فترة الاستعمار ليست بدعة تونسية، باعتبار أن دولاً استعمارية عديدة اعتذرت، أو أقرت بجرائمها المرتكبة خلال الزمن الاستعماري، لكن عدم توصل ائتلاف الكرامة (ائتلاف قوى إسلامية قريبة من النهضة) عن تمرير لائحته في البرلمان، ترتبت عنه دواعٍ بعيدة عن اكتساب الفكرة الوجاهة من عدمها.

لقد كان الزمن السياسي التونسي موسوماً بالشروخ السياسية، التي زاد منسوبها عقب جلسة مساءلة راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، فضلاً عن الانشغال التونسي، الرسمي والشعبي، بتدبر آثار تفشي وباء كورونا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.


يضاف إلى ذلك أن ائتلاف الكرامة، صاحب الفكرة، قدم أمثلة كثيرة تفيد بأنه تيار شَعْبَوِي متشنج، طرأ على المشهد بعد التراجع الذي عرفته في السنوات الأخيرة قوى يسارية وتقدمية، كان في مقدورها الاضطلاع بدور محوري في تعديل الخطاب السياسي، وفي التصدي لهيمنة النهضة على مفاصل الدولة.


ولد ائتلاف الكرامة من رحم الأزمة السياسية، ونشأ من الفراغ الذي تركته القوى الوسطيّة، فكان خطابه المتشنج مناقضاً مع الدولة الوطنية ومكتسباتها، ومن هنا أصبحت كل الأحزاب والتيارات تتعامل بتوجّس مع ما يقدمه الائتلاف.

البعد الآخر لفشل اللائحة هو أنها صيغت بطريقة متسرعة، تقصَّدت مجرد الحصول على اعتذار فرنسي، بدون تعزيز الفكرة بحوار وطني يبحث متن الفكرة وهوامشها، ويدرس مآلاتها الاقتصادية والدبلوماسية، وهي أبعاد كانت ستؤثر في الصياغة وتوقيتها، إضافة إلى الجهة التي تتبنى تقديمها، وفي هذه الحالة كان يجدر تقديمها من قبل الجهات ذات الصلة، وهي الرئاسة ووزارة الخارجية.

سقطت اللائحة ورسمت مسافة تكتيكية بين النهضة وتوابعها في ائتلاف الكرامة، باعتبار أن أغلب نواب النهضة لم يصوتوا للائحة.. مسافة زادت في تعميق أزمات النهضة، التي وجدت نفسها مدعوة تجاه أنصارها لتبرير «تخلِّفها» عن الانتصار لحليفها.

فشل ائتلاف الكرامة في تمرير لائحته قدم درساً بالغ الأهمية، قوامه: أن المطالب مهما كانت مشروعيتها عندما تصاغ في سياق معارك أيديولوجية، فإنها تفقد كل وجاهتها، وتخسر إجماعها الشعبي والسياسي.

شعْبَويَّة ائتلاف الكرامة تحركت في أرض رخوة، وتجاسرت على مجال دبلوماسي لا يحتمل التشنج والارتجال، فسقطت اللائحة وخسرت تونس فرصة الحصول على اعتذار تاريخي فرنسي كان يتطلب صياغة رصينة وإجماعاً وطنياً وجهة مسؤولة.