الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أسرار الصفقة الأمريكية ـ التركية

أخذت مختلف التعليقات حول النفوذ التركي في المنطقة المغاربية منحى الوصف وتكرار القراءات بدون ملامسة الأهداف، التي لم يظهر منها إلا جزء بسيط يُخفي النوايا الحقيقية لهذا التكالب المسعور حول المنطقة.

الشائع، أن التدخل التركي في ليبيا يخدم إما مشروع «العَثْمَنَة الجديدة» الذي يتوافر على رأس مال قبلي ممثل في ثلاثية المشترك: التاريخ والدين والثقافة، أو مشروع «الأسلمة السياسية» لتوسيع دائرة نفوذها بهدف تحصين أمنها الاقتصادي والسياسي.

لكن، هناك حلقة مفقودة في هذا النقاش لم يتم التنبه إليها، تتعلق بالكشف الموضوعي عن خبايا المحاولة الانقلابية ضد الرئيس أردوغان في يوليو 2016، إذ تمت خلال هذه العملية صفقة سرية مع أمريكا، التي انقلبت على فتح الله غولن، بعدما تبين لها أخيراً أن أردوغان أنسب شخصية لها للقيام بحروبها بالوكالة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فضلاً عن كونه قادراً على لعب دور استراتيجي يخدم توجهها في حلف الناتو، لذلك، تم إخبار المخابرات التركية بخطة الانقلابين والالتزام بإنقاذه، ولكن بشروط أمريكية تتلخص في قبول تركيا ممارسة لعبة التوظيف والاستعمال السياسي الجيوستراتيجي.


ومن هنا، جاءت مبادرة رئيس المخابرات هاكان فيدان الذي اجتمع بقائد أركان الجيش التركي الجنرال هولوسي أكار لإخباره بتفاصيل المشروع الانقلابي.


وكما ذكرت المجلة الأمريكية «فورين بوليسي» في إشارة غير مباشرة إلى أن أمريكا قد أنقذت أردوغان من محاولة اغتياله في الفندق الذي كان يقيم به في مدينة مارماريس.

ولهذا، ينبغي أن يُفهم أن تدخل تركيا في ليبيا يأتي في سياق الخطة التقليدية لأمريكا في إتقانها التاريخي لسياسة خلط الأورق الدبلوماسية واستعمالها التكتيكي للدول لإنجاز مشاريعها الجيوستراتيجية والعسكرية.

وما يبدو على سطح الأحداث في ليبيا ليس إلا وجهاً لاستكمال شروط الصفقة الأمريكية ـ التركية التي تمت خلال محاولة الانقلاب.

أما عن التوترات بين البلدين التي وصلت إلى حد التشنج مثل حادث اعتقال القسّ الأمريكي في تركيا، ورفض أمريكا تسليمها غولن، وحادث شراء صواريخ أرض ـ جو الروسية، طراز S-400، ليس إلا مناوشات سياسية خادعة، تنتهي دائماً بدعم أمريكا لخطوات تركيا.

وهذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ابتداء من إعلانه الرسمي باسم البيت الأبيض دعمه لأردوغان إثر فوزه بانتخابات 2008، مروراً بمباركته لشن تركيا عملياتها العسكرية ضد الميليشيات الكردية في شمال سوريا بعد أن سحبت أمريكا قواتها من هناك.

كما لم يكن تدخل تركيا في ليبيا إلا بدعم أمريكي واضح عبّر عنه رسمياً مساعد وزير الخارجية الأمريكي الذي أعلن اعتراف الولايات المتحدة بحكومة الوفاق مؤكداً أن التدخّل التركي قد عمل على خلق التوازن وإسقاط غطرسة حفتر.

وأخيراً، ينبغي التأكيد على أن تركيا ليست إلا قطعة شطرنج على الرقعة الأمريكية، وأن ما يبدو من مناوشات بينهما ليس إلا عمليات تكتيكية عابرة، تقوي لعبة خلط الأوراق التي تقوم عليها السياسة الأمريكية في العالم.