الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

مِن نقل الأحداث.. إلى اصطناعها

تمثل قناة الجزيرة نقطة فارقة في التاريخ العربي المعاصر، فقد ولدت في إطار اتفاق استراتيجي بين «الأيباك»، المنظمة الصهيونية النافذة في واشنطن، والحاكم السابق لقطر حين أراد خلع والده الشيخ خليفة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وكانت البوابة العربية الأولى والرائدة في التطبيع الثقافي مع إسرائيل، فمن شاشتها تعرف الجمهور العربي ولأول مرة على السياسيين والكتاب والصحفيين المحتلين لفلسطين.

الجزيرة قدمت نفسها على أنها ناقلة للرأي والرأي الآخر، أي إنها تنقل الخبر بكل صدق وأمانة، ولكن تغلبت عليها جيناتها السياسية؛ فأصبحت تهفو؛ وبكل ما أوتيت من قوة في صناعة الخبر.

وتضخم هذا الدور بعد ما عرف بثورات الربيع العربي، حيث أصبح مذيعو الجزيرة ومعدو برامجها يرون في أنفسهم صناعاً لهذه الثورات، يملكون حق توجيهها، ويحددون من يقودها وكيف يقودها، أصبحوا أصحاب الشرعية الأولى في تحديد مصير هذه الثورات ومصير دولها، وهنا تحولت الجزيرة إلى معول الهدم الأقوى في العالم العربي الآيل للسقوط.


فأصبحت برامجها بدون استثناء تتجاوز حدود العمل الصحفي المهني لتنتقل إلى مستوى التدخل المباشر في شؤون الدول المعادية لإمارة «الجزيرة»، فيمارس إعلاميوها التحريض على العنف والإرهاب، والتشكيك في شرعية النظم التي لا يرضون عنها، ويدعون إلى تغييرها بالعنف، ويتتبعون ويحتفون بكل مواطن الفشل والخلل فيها، لدفع الشعوب إلى تغيير النظم بالقوة، أو بالعنف والإرهاب.


وبعدما فشلت الجزيرة في صناعة الحدث من خلال التحريض، والحشد، ونشر الإشاعات في دول مثل مصر واليمن، وفقدت تأثيرها في دول أخرى نظراً لتغير اللاعبين وفقدان حزب الجزيرة للتأثير السياسي مثل العراق وسوريا، هنا بدأت الجزيرة في المرحلة الثالثة، وهي اصطناع الأحداث والأخبار من خلال عملية دائرية من الكذب والتزييف؛ حيث يقوم موقع مجهول، من المواقع التابعة لدويلة قطر بنشر خبر معين مختلق لا أساس له، ثم تقوم الجزيرة بنقله عن ذلك المصدر الذي يستحيل أن يكون مصدراً صحفياً بأي مقياس أو معيار!

وقد بالغت الجزيرة في الطور الثالث من أطوارها في اجتزاء الأخبار لاصطناع مواقف معينة، أو لخلق حقائق سياسية غير موجودة؛ ينتصر بها أتباع حزبها السياسي على خصومهم، وأصبحت أجندتها الإخبارية والتحليلية مغرقة في عالم مركب من الوهم؛ بدون أن تكون هناك فرصة للمُراجع، لأن الجزيرة تتبع للنظام الذي يديرها، وهو نظام يتقن فنون الدخول في الأزمات، ولكنه فاشل في استراتيجيات الخروج منها.