الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«الدولة الوطنية».. واللاَّعبُون من الخلف

دائماً تتغلَّبُ العاطفة في التحليل السياسي العربي، وكلما تغلَّبت العاطفة، قلّت حظوظ المنطق في التعامل مع الأزمات، وعندما يشذ أحدهم ويضع العاطفة في الثلاجة بقصد التحليل المنطقي، تنهال عليه السِّهام من كل صوب تحت تأثير الموقف الرسمي للدولة، فأضحى العقل يغيب، وعندما يحضر يكون الأوان قد فات.

سكنتني هذه العبارات بالنظر للوضع الذي آلت إليه التطورات في ليبيا، ومعظم الدول التي شهدت ما يسمى «الربيع العربي»، الذي قضى على أركان «الدولة الوطنية»، وأضحى يبحث عن أركان دولة أو دول بديلة، قد يستغرق بناؤها حيناً من الدهر.

ليبيا اليوم تعصف بها حرب أهلية طاحنة، ومرتع للجماعات الإرهابية والمرتزقة، ومسرح للقوات والقواعد العسكرية الأجنبية، ومحل أطماع دوليَّة، وقد تتحول إلى ساحة لحرب دوليَّة لاحت مؤشراتها.

ليبيا حالياً تشبه البلقان، حكومتان، برلمانان، قوتان عسكريتان، وقبائل لديها ميول لكل الجهات، وكل طرف لديه دعم دولي واضح، تركيا تدعم حكومة فايز السراج، ودول أخرى تؤيد المشير خليفة حفتر، وقد انقسمت دول العالم حول الوضع وتشرذمت الدول العربية بشأنه، ولاحت في الأفق بوادر حرب دولية ساخنة، طرفاها المحليان حفتر والسراج أو شرق ليبيا وغربها، وطرفاها الدوليان تركيا ومصر، واصطفاف دولي خلف أنقرة أو خلف القاهرة.

الظاهر هو الدفاع عن الحكومة الشرعية بالنسبة للحلف التركي، أو محاربة الإرهاب بالنسبة للحلف المصري، والخفي هو الدفاع عن مصالح دولية بتصفية حسابات سياسية واقتصادية، فكل دولة موجودة بليبيا عسكريّاً تسعى للنيل من الأخرى عسكرياً أو سياسياً أو دبلوماسياً بسبب فشلها في النيل منها في جبهات أخرى.

وكل ذلك يتم بدماء الليبيين وعلى حساب ليبيا وشعبها، وعندما يحترق كل شيء، لابد أن يجلسوا إلى الطاولة.. تلك هي سنة الحرب، لكن الحوار سيكون برعاية دولية يقتسم بموجبه الآخرون الغنائم، ويوزعون على الآخرين الصلاحيّات والمقاعد والحقائب، مثلما حدث في نورنمبورغ بنهاية الحرب العالمية الثانية.

لقد نجحت العاطفة بالتطبيل للربيع العربي، بحجة أنه ثورة ضد الدكتاتورية والفساد، في وقت قال فيه البعض: إن الأوطان لا تبنى كذلك، ولا تزال العاطفة تحقق النجاح بالتزمير للحرب، وصوت العقل وحده يتراجع.. ما بعد انهيار الدول الوطنية سوى الخراب.. ويبدو أن الأوان قد فات.. إنها الفوضى التي خلقت وضعاً جديداً، تنجر عنه بالضرورة ترتيبات دولية جديدة تؤثر في كل المنطقة، ولا تكون إلا في صالح اللاَّعبين من الخلف.