الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

التواصل الاجتماعي ودوره في التغيير

كثيراً ما يُعزى لوسائل التواصل الاجتماعي السبب بإشعال ثورات الربيع العربي بموجتها الأولى والثانية، لكن من النادر جداً أن تجد أحداً يتحدث بواقعية علمية عن أسباب فشل البعض منها وحتى الناجح عن الاستمرار وتحقيق المطالب المرجوة منها.
إن التكنولوجيا والتواصل الفوري التي وفرته الهواتف الذكية، كالإنترنت والمواقع الاجتماعية والأخبار لم ولن تصنع ثورة حقيقية، وإن بات يُنسب لها الفضل في التحشيد، والسبب ببساطة لهذا اللبس يكمن في عدم فهم طبيعة الثورة وارتكازها أساساً على المكونين المتمثلين بالثقافة الجمعية والفردية لجماهيرها ووعيها حيث قوة الفرد من الجمع، وكذلك تستقي الجماهير قوتها من أفرادها، التي ستتمكن التكنولوجيا من تسهيل المهمة عليها عبر سرعة جمعها وتحفيزها ونشر الأنباء ذات الصلة بها، لكنها لن تصنع بالمطلق من الجماهير ذاتها صاحبة وعي مدرك وقادر على التخطيط لمرحلة ما بعد الثورة بعقلانية تحقق التغيير المرجو والمطلوب، بل ستجد نفسها تدور بحلقة مغلقة من الفراغ الثوري بشعارات ترددها عبر مظاهرات وتجمعات تفتقر للفكر، وهو العامل الأساسي والفارق بين شعوب واعية تدرك ما تريد حين تنتفض وكيف تحققه وتحافظ عليه، وبين أخرى عاطفية انفعالية آنية يثيرها حدث وظرف ما، أو حالة اقتصادية متردية وانعدام للأمن، لكنها وبعد نفاذ مخزونه تنطفئ حدته وتسلم أمرها مجدداً لمن يتمكن من تطويعها واستغلالها عاطفياً للسيطرة عليها، بخلاف الجموع التي خضعت لسنين وعقود لتيار لا ينقطع من الإعداد الفكري التوعوي المشكل لكينونتها والحريص على حضور الوعي الفردي فيها القائم على العقل والإدراك، والناتج كذلك كمحصلة عن حرص جمعي على الاطلاع والقراءة والبحث عبر النقاشات الجادة والكتب الرصينة التي تقدم الأفكار وتطرح المشكلة ومن ثم تتطرق لأسبابها وطرق حلها، كما عمل على ذلك جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي الذي قدَّم مبحثاً للعلاقة بين الفرد ودولته، وواجباتها تجاهه وحقوقه المفروضة عليها، ليمهد الطريق بعد ذلك للثورة الفرنسية التي استلهم مفكروها ومنظروها من كتاباته أسس ثورتهم.
لذا، فقد سهَّلت التكنولوجيا حشد الجماهير ونقل ما يجري معها للعالم، لكن افتقارها للوعي هو ما يجعلها غير كافية لأن تنجز المهمة المنوطة طالما افتقر الثائرون لثورة فكرية تحضرهم لبناء الأسس القويمة لتغيير ما ينشدونه، يقوم عليها كتاب ومفكرون، فالأمة التي تحترم الفكر وترعاه يكون صداها جماهير واعية.