الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الطموحات التركية.. إلى أين؟

هيّأت زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد لباريس يومَي 22 و23 يونيو الجاري، فرصة مهمة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للتعبير عن القلق الشديد للسلطات الفرنسية من التدخل التركي المتزايد في ليبيا.

ومن المعلوم أن تونس هي الجارة الأقرب إلى طرابلس، ويمكن القول إنها الأكثر تأثراً بما يجري هناك لأنها تكاد تقع على خط النار!

إن القضية الليبية لا تتعلق بالجغرافيا وحدها، بل تتعلق أيضاً بالجغرافيا السياسية، ومن المعروف عبر التاريخ أن الأزمة الليبية ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد التونسي الذي يعتمد أساساً على السياحة العالمية كمصدر للدخل، كما أن الديمقراطية التونسية «الهشّة» التي واكبت انطلاقة ما يسمى بـ«الربيع العربي»، ما تزال موضع خلاف وأخذ وردّ بين الحركات العلمانية ودعاة الإسلام السياسي، وهؤلاء الدعاة يعملون بوضوح تحت شعارات «حزب النهضة»، ولكنهم يمثلون في الحقيقة الفرع المحلي لحركة الإخوان المسلمين.


وتندرج مخاوف فرنسا من تطور الأزمة الليبية في ناحيتَين، ترتبط الأولى بمشكلة الإرهاب المتطرف المنتشر في أوروبا وأفريقيا، وتتعلق الثانية بالسلوك العدواني المتزايد لتركيا ضد أوروبا والشرق الأوسط والقارة الأفريقية، ولا شك أن فرنسا تتحمل مسؤولية جسيمة حيال الوضع الراهن، لأن اغتيال العقيد معمر القذافي هو ما فجّر الفوضى الحالية منذ البداية، تم بأمر من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وأغلب الظن أن ساركوزي كان يرغب في دفن أسرار محرجة مع العقيد الراحل.


ولقد كانت العلاقات الفرنسية - الليبية مفيدة جداً لولا التوتر المتكرر الذي كان يسودها، ومن المعلوم أن ليبيا كانت تدافع عن الأنظمة القائمة في دول الساحل الأفريقي وتعمل من دون كلل على تعزيز استقرارها.

والشيء الذي يقع على المحك الآن لا يتعلق بمصير الشعب الليبي بقدر ما يتعلق بمصادر النفط الليبي، التي أصبحت في صلب الاهتمامات التنافسية الدولية، وإذا كان التدخل التركي في ليبيا مدفوعاً بهدف الحصول على المُركبات الهيدروكربونية التي تفتقر إليها تركيا على أراضيها، فإن طموحاتها سوف تذهب إلى أبعد بكثير مما يعتقد البعض، فهي ترى أنها عثرت على فرصة لا يجوز تفويتها لاستغلال انشغال اللاعبين العالميين الثلاثة الرئيسيين الولايات المتحدة، وروسيا، والصين بالخلافات القائمة بينهم وبأزمة الفيروس.

واعتماداً على فكرة إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة، وبدعوى العمل على تعزيز فكرة الإسلام السياسي، تحاول حكومة حزب العدالة والتنمية اغتنام الفرصة لتسوية مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة واستعادة هيبتها المفقودة في منطقة استراتيجية مهمة تتوسط ثلاث قارات، ومن الناحية العسكرية، يمكن الوقوف في وجه هذا الطموح على جبهات المعارك المستقبلية، إذ يجب أن نتذكر أن تركيا تواجه صعوبات ومشاكل داخلية ضخمة!

ويبقى الدرس الذي يجب ألا ننساه أبداً هو أن القوة التي تظهرها تركيا ليست إلا نتيجة لضعف القوى الأخرى، وافتقار أوروبا للوحدة والقدرة على الرؤية الواضحة والنظرة البعيدة، وفشل دول جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، والفوضى التي تعتري النظام العالمي الراهن.