الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الشرق الأوسط.. والسلام الوبائي

إذا تراءى للبعض أن الشرق الأوسط يمكنه أن يبدأ الآن مرحلة العودة إلى الحياة الطبيعية، فأنا أقول: «كلا هذا غير صحيح»، لأن السرعة العالية لتفشّي فيروس كورونا لم تتراجع في المنطقة، حيث بدا وكأن تركيا وإيران ومصر تتنافس فيما بينها على ارتفاع عدد الإصابات الجديدة بعدوى الفيروس، وكأن هذا العدد يعبّر عن درجة القوة التي تتمتع بها هذه الدول في المنطقة!

وبالنظر لقوة انتشار الفيروس، وجدت المملكة العربية السعودية نفسها مجبرة على تخفيض عدد الحجاج لهذا العام وقصره على المقيمين ومنع ملايين المسلمين في أنحاء العالم من القدوم إلى مكة والمدينة لأداء مناسك الحج، ومن الواضح أن هذه التطورات تثبت أن الشرق الأوسط لا يزال في وضع شاذ على الأقل في بعض أجزائه.

ولسوء الحظ كذلك، أن إحدى أهم الظواهر سيئة الذكر عادت لتحتل موقع الصدارة في أخبار الشرق الأوسط، وهي عودة الصراعات والنزاعات، فلقد تواصلت الغارات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف داخل سوريا، وتسارعت جهود ومحاولات ضم المستوطنات في الضفة الغربية، واتسع نطاق التدخل العسكري التركي في ليبيا، بالتزامن مع زيادة توغل القوات التركية في شمال العراق لملاحقة الانفصاليين الأكراد وشلّ قدرتهم على الحركة.


كما أعلنت مصر من جهتها عن وضع خط أحمر في ليبيا وتحذير تركيا من تجاوزه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تواجه مصر أيضاً حالة من التوتر المتصاعد مع إثيوبيا بسبب سدّ النهضة.


وبالرغم من كل هذه الأحداث الخطيرة، يبدو وكأن منطقة الشرق الأوسط عازمة على العودة إلى الحياة الطبيعية، ولا شك أن «كوفيد-19» ترك أبلغ الأثر على طبيعة الحياة فيها، لكن يحدونا أمل كبير بأن يحل فجر جديد يبشّر بفترة من «السلام الوبائي» وحيث لا يقتصر تقييد حركات البشر فيه على كبح انتشار الفيروس، بل يؤدي أيضاً إلى وضع حد لانتشار النزاعات والحروب وسقوط الضحايا الأبرياء.

وهناك نظرية أخرى تتحدث عن «السلام الديمقراطي» وتشير إلى أن البلدان الديمقراطية تكون أقل ميلاً لمحاربة بعضها البعض، ولا يُعرف عن منطقة الشرق الوسط أنها تضم الكثير من الدول الديمقراطية المتجاورة، ولهذا السبب رأى منظّرون وناشطون غربيون أن تشجيع «الدمقرطة» في المنطقة ربما يمثل العلاج الناجع الوحيد لوقف هذه الصراعات التي لا تنتهي.

لكن لا تزال هذه الوصفة «الغريبة» ضمن إطارها النظري البحت وتفتقر إلى الإثبات العملي، إلا أن الحماس لتكريس الديمقراطية والأمل لتحقيقها شهدا فتوراً كبيراً بسبب الاضطرابات التي شهدتها المنطقة خلال العقد الماضي.

إن أي سلام في منطقة الشرق الأوسط مهما كان شكله، سوف يكون من دون شك أفضل من الحرب، ولا يمكننا أن نأمل الآن بحلول «سلام وبائي» باعتباره بديلاً متواضعاً ومهماً عن «السلام الديمقراطي»، فحتى هذا الأمل يبدو الآن بعيد المنال.