السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

التماثيل.. وإعادة كتابة التاريخ

لا شك أن مقتل الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد تحول إلى حدث تاريخي مؤثر على أكثر من صعيد، فهو يتجاوز استحقاقات المستقبل بالنسبة للمواطنين السود، إلى إعادة قراءة التاريخ وتحديداً الحقبة (الكولونيانية) الاستعمارية، التي ما زالت آثارها قائمة وبقسوة في أفريقيا، وإن ما يحدث لتماثيل رموز الحقبة الاستعمارية في أمريكا وفي مختلف دول أوروبا هو أحد آثار هذا التغيير الثقافي المقبل.

وإن من أخطر البنى الثقافية الكولونيالية أنها قسمت العالم إلى مركز هو الحضارة الغربية، وهوامش شبه فاقدة للحضارة هي كل ما هو خارج ذلك الغرب، لذلك روجت إلى أن الحركات الاستعمارية جلبت إلى مستعمراتها المدنية والحداثة، وعبر هاتين الركيزتين يتم القفز على حقيقتها، التي تركزت أهدافها في احتلال دول العالم الآخر وسرقة مواردها، وإخضاعها للهيمنة الاستعمارية حتى بعد الاستقلال.

بعد مقتل (فلويد) وتفجر (الدمل العنصري التاريخي) في العالم، التفت المواطنون السود إلى التماثيل التي تمجد رموزاً تاريخية كان لها دور إجرامي واستعماري، فأسقطوا بأيديهم ما استطاعوا إسقاطه وطالبوا بإزالة الباقي، والمفارقة في قراءة التاريخ أن أصحاب تلك التماثيل ذيلت قاعدة تماثيلهم بعبارات تمجد إنجازاتهم وأخلاقهم، في حين أن لهم تاريخاً آخر يتمثل في استغلال السود وتدعيم قوانين العبودية، بل إن بعضهم ارتكب مجازر جماعية بحق المستعمرات في أمريكا وأفريقيا.


آخر تلك التماثيل التي تم التعرض لها وإزالتها، كان تمثال ملك بلجيكا (ليوبولد الثاني)، الذي حكم بلجيكا نهاية القرن الـ19، واحتل مساحات واسعة من الكونغو وأفريقيا لمنافعه الشخصية، أدت إلى إبادة 10 ملايين كونغولي وتهجير ملايين آخرين واستنزاف ثروات الكونغو من الألماس والمطاط.


استجابت السلطات البلجيكية لمطالب المحتجين السود أزالت التمثال، بما يكون اعترافاً علنياً بجرائم (ليوبولد)، وأنه لم يعد من اللائق تمجيده في الميادين العامة.

حملات التصحيح التاريخية بدأت توجه أيضاً إلى المناهج المدرسية في طرحها للحقبة الكولونيالية وفي تناولها لتاريخ أفريقيا، واتجهت أيضاً إلى نقد الأعمال السينمائية والدرامية التي تمجد (السيادة البيضاء).

التاريخ ليس مادة يحتكر صناعتها المنتصر سابقاً كما كنا نظن، التاريخ صار أشبه بالحرب الأبدية، قد ينتصر طرف في معركة ولكنه لا يحسم الحرب، فبعد 300 عام من تمجيد رموز الاستعمار والعبودية الذين رسّخوا أركان الحضارة الغربية ودعموها من دماء وأشلاء وثروات شعوب المستعمرات، تعاد اليوم كتابة سيرة تلك الرموز بروايات مختلفة، فالأصنام تبقى أصناماً، ونحن من يمنحها القداسة أو يسقطها عنها.