الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تركيا.. وأوهام العَثمَنة

المؤكد أن هناك عداوة تاريخية بين مصر وتركيا تمتد منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، ومن بين أهم أسباب هذه العداوة، الصراع حول حيازة الريادة الدينية والحديث باسم المنطقة.

وهناك سبب خفي يدخل في التاريخ المسكوت عنه، يعده علماء التاريخ سبباً مركزياً في تغدية الصراع بين الدول وإبطال أي استقرار تاريخي بينها، كما هو حال الصراع الموروث بين ألمانيا وفرنسا وبين فرنسا وإنجلترا، يتمثل هذا السبب في تجذر الشعور القومي بامتلاك شرعية تاريخية في السيادة تبيح الاستعلاء وممارسة التفوق على دول الجوار والمنطقة.

لكن، لما يتحول هذا الشعور إلى إيديولوجيا للدولة كما هو شأن تركيا، تتحول هذه الشرعية من مجرد الرغبة في التفوق إلى الرغبة في التحكم والهيمنة، ومن ذلك الانحراف عن مغزى التاريخ بالابتعاد عن استلهام إشراقاته الحضارية وبتحويله إلى رأس مال سياسي بهدف الغلبة والابتزاز والسيطرة الاقتصادية.


في وقت ما، اعتبر فيه مصطفى كمال أتاتورك أن المنطقة العربية لم تعد تعنيه، فتطلع نحو أوروبا ومنطقة بحر إيجة، فحدث نوع من التغاضي النفعي عن مصر والشرق الأوسط سوَّغته إيديولوجية «التحديث»، لكن تركيا بعد أتاتورك استفاقت على إثر سقوط الملكية في مصر، ما دفعها إلى التفكير مجدداً في «الدولة القومية الكبرى» فعادت نزعة الشرعية التاريخية بدلالة التحكم للظهور لما غيَّر جمال عبدالناصر الاتجاه الغربي ووالى الاتحاد السوفيتي، ولم تهدأ هذه النزعة لحد الآن، بالرغم من تعديل أنور السادات للخط السياسي الذي اختاره عبدالناصر باستثناء المرحلة القصيرة التي حكم فيها محمد مرسي مصر، إذ توطدت علاقات قوية بينهما حددتها إيديولوجيا الإسلام السياسي والطموح إلى دولة الخلافة.


تقوى هاجس الرغبة في التحكم، استناداً إلى عقدة الشرعية التاريخية في السيادة، مباشرة مع فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2002، باعتماد خطة ثلاثية، تقوم أولاً على استلهام خطاب بديع الزمان سعيد النورسي الذي دعا إلى تجديد الدين بما يجعله متماشياً مع مرحلة الدولة التركية العلمانية، ومع المجتمع التركي الذي تطبع بالحداثة.

ثانياً، إحياء العلاقة بالعالم العربي والإسلامي من خلال الاشتغال على خطة مدروسة للاستقطاب في العالم العربي ودعم التنظيمات الحزبية الموالية لحزب العدالة، عِوض الإنهاك الذاتي الذي لا يفيد في علاقة تركيا بأوروبا.

وثالثاً، العمل على الاستثمار في الحروب العرقية والطائفية وتقمص دور الزعامة بالدفاع عن قضايا العرب والمسلمين، وهو الدور الذي نجح فيه الرئيس التركي طيب رجب أردوغان إلى حد ما.

وإن ما يحدث في ليبيا اليوم يؤسس لمدخل «عَثْمَنة» المنطقة العربية بدافع شرِه، لتثبيت الشرعية التاريخية للسيادة، مسنوداً في نهاية المطاف باستراتيجية أمريكية إسرائيلية عميقة، لها منظورها الاستراتيجي على المستوى القريب والمتوسط.

أما مصر، فمن حقها الآن أن تستنهض همة شرعيتها التاريخية ضد تركيا لحماية سيادة المنطقة العربية، وذلك دورها التاريخي الذي ينبغي لها أن تلعبه كاملاً.