الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

المغرب.. و«اقتصاد ما بعد كورونا»

لا شك أن إقرار حالة الطوارئ الصحية مبكراً، والحزم في تطبيق إجراءات الحجر الصحي التي واكبتها لمواجهة سرعة انتشار جائحة كورونا والحد من تفشيها، قد جنبا المغرب حصول كارثة صحية كبيرة كان من الممكن أن تنتهي بخسائر بشرية فادحة، ولكنها في المقابل سببت ركوداً اقتصادياً قاتلاً نجم عن اضطرار توقيف معظم الأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدمية باستثناء تلك المرتبطة بتأمين المعيشة اليومية للمواطنين، وتوفير المستلزمات الطبية الضرورية للمستشفيات والمؤسسات الصحية التي عبئت لمعالجة الحالات المكتشفة من الجائحة.

وبديهي في وضع كهذا أن يجد الاقتصاد المغربي نفسه في مأزق كبير بين مطرقة نمو سالب يقدر إلى الآن بما يربو على 5%، وسندان الحاجة الملحة والمستعجلة لحتمية توفير مصادر تمويل استثنائية من شأنها الاستجابة لمتطلبات ارتفاع فاتورة النفقات الاجتماعية غير المنتظرة.

ومن أجل مواجهة الأعباء المستجدة وغير المتوقعة، قرر المغرب تعبئة كافة الإمكانيات، واستنفار كل الطاقات، وفي هذا السياق بادر إلى إحداث صندوق تضامني بمساهمة رمزية من المواطنين وبتبرعات سخية من عدد من المقتدرين (شخصيات، وشركات، ومقاولات) حيث وصل حجم المبالغ التي تم جمعها إلى حوالي 33 مليار درهم بعد أن كان المطلوب في البداية مجرد 10 مليارات درهم.


وقد رصدت مداخيل هذا الصندوق إلى الإسراع في تجهيز المستشفيات والمؤسسات الصحية بكل ما ينقصها من معدات لوجستية وأدوية ضرورية، وإلى تقديم معونات مالية لمختلف شرائح العاملين في القطاعات الاقتصادية غير المهيكلة، التي اضطرتها ظروف الحجر الصحي إلى توقف نشاطها وإغلاق موارد رزقها.


وبالفعل فقد تمكنت البلاد من احتواء الانعكاسات السلبية للجائحة صحياً واقتصادياً بشكل جيد، بشهادة العديد من المراقبين الدوليين رغم بعض الثغرات المسجلة هنا وهناك، سيما التأخر الكبير الذي شهدته عملية ترحيل المغاربة الذين وجدوا أنفسهم عالقين خارج البلد.

ووعياً من السلطات المغربية بأن مثل هذه التعبئة الاستثنائية لا يمكن استمرارها، وأن وضعية الحجر الصحي لا يمكن تقبلها شعبياً لوقت طويل، بادرت إلى الإعلان عن إجراءات للتخفيف ترى أن من شأنها إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الوطني ونشاطاته المتعددة بشكل تدريجي.

والواضح من المبادرات المتخذة أنها ذات طبيعة إجرائية لا تنظر لفترة الحجر الصحي إلا كاستثناء أو مجرد جملة بين قوسين، لا ينبغي أن تؤثر على التوجهات السياسية والاقتصادية العامة المحددة سلفاً، علما بأن البنك الدولي (والحكومة المغربية تلميذ نجيب لديه) أشار في أحد تقاريره عن انعكاسات الجائحة، إلى أن الاقتصادات النامية الأكثر تضرراً من أزمة كورونا هي تلك التي تعاني من هشاشة الأنظمة الصحية، والتي تعتمد اعتماداً كبيراً على التجارة العالمية أو السياحة أو التحويلات، وعلى صادرات السلع الأولية، ولا شك أن عدداً من هذه المعايير تنطبق تماماً على الاقتصاد المغربي.

لقد كانت سياسة الاعتماد على الذات المتبعة ضد الجائحة حكيمة وفعالة إلى حد كبير وبأبعاد استشرافية، وسيكون من الضروري مواصلتها، وخاصة أن التجارب العالمية أثبتت أن أي كساد اقتصادي كوني كبير يكون عاملاً محفزاً لصعود الفكر الانعزالي، والشوفينية القومية الضيقة، ولكن نجاح هذه السياسة يتطلب تطويرها لكي تكون أداة فعالة لإحداث القطيعة المأمولة مع سياسة الريع التي لم تفرز سوى الانتهازية والاتكالية، مجسدة في عدد من المؤسسات السياسية الوطنية والمحلية المترهلة، التي ظهرت بشكل فاضح هشاشة وأوجه قصور العديد منها.

في آخر مقال له بمجلة فورين أفيرز Foreign Affairs أشار فرانسيس فوكوياما إلى أن معالجة المراحل الأولية للأزمة بنجاح لا تحتاج من البلدان إلى حكومات قادرة وموارد كافية فقط، ولكن أيضاً إلى قدر كبير من التوافق الاجتماعي، ومثل هذا التوافق يتطلب أن تكون الخطط التي ستوضع لما بعد كورونا خططاً واقعية، عملية ومتماسكة قادرة على مراعاة الأبعاد الاجتماعية في عمقها، وعلى استنباط آليات سياسية ناجعة كفيلة بتأمين مشاركة شعبية واسعة في العملية السياسية والتنموية، يواكبها انفتاح متواصل على العالم الخارجي من خلال تعبئة دبلوماسية نشطة، واعية بالتحديات، وقادرة على تسويق المغرب في أبعاده المختلفة سياسياً واقتصادياً وتجارياً وثقافياً وسياحياً. إن التحيات المقبلة كبيرة، لكن التغلب عليها ليس مستحيلاً.