الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

السودان.. المانحون والمتلازمة

بعد ثلاثة عقود من الفساد وقمع الحريات والبطش وانتهاك حقوق الإنسان، من قبل مجموعة معينة هيمنت على ثروة البلد، وشوَّهت صورته وعزلته عن المجتمع الدولي، بل وضعتْه على قائمة الإرهاب الدولي، أخيراً عادت المياه إلى مجاريها، لأن الظروف الحالية في الفترة الانتقالية بعد ثورة الشباب، جعلت المجتمع الدولي من أشقاء وأصدقاء ومن المانحين ليقفوا مع هذا السودان الواعد، بتقديمها منح مالية لدعمهم الاقتصاد المحلي للإسهام في حركة التحول الديمقراطي التي يشهده.

بالتالي، فإن للمال صورة إيجابية وأخلاقية، تتمثل في المساعدة الإنسانية التي تقدمها البلدان المستقرة والغنية لبلدان الأزمات، وتسهم في بناء المدارس والمستشفيات وإعادة الحياة للمتضررين في العديد من تلك البلدان.

هذه الصورة الأخلاقية واضحة في الدعم الإنساني الذي قدمه العديد من البلدان الشقيقة والصديقة للسودان كما رأينا في مؤتمر برلين للمانحين الأسبوع الماضي.


وبناء على ذلك، سيحتاج العاملون خارج القطاع الرسمي في الدولة السودانية إلى التنظيم الذاتي، من أجل الحصول على الحقوق الاقتصادية والقانونية كشرط مسبق، لخلق بيئة تساعد على تحويل أصولهم إلى رأس مال، بفضل المنح التي سيحصلون عليها من الجهات المانحة، وبالتالي تعزيز عملية التنمية بالموارد الاقتصادية الطبيعية لغالبية السكان.


في سياق مشابه لقد شهدت العقود الماضية من عمر الدولة السودانية تقديم كثير من المساعدات للحكومات السابقة، من الجهات المانحة والصناديق الاقتصادية الدولية، لكن هذه الحكومات حولتها إلى النظام التجاري الحكومي، وبالتالي لم يكن لهذه المساعدات تأثيرواضح على تحويل النظام الاقتصادي السوداني إلى اقتصاد المعرفة، الذي يفيد المجتمع والدولة على حد سواء.

بل إن تلك الأموال تسرّبت إلى جيوب السياسيين والبيروقراطيين والنخب في معظم الحالات، كما حدث بعد الثورتين (25 مايو 1969) و(6 أبريل 1985) من القرن الماضي، قبل العقود الثلاثة العجاف من نظام الإنقاذ البائد.

وفي ضوء ما سبق، يجب على الحكومة الانتقالية أن تأخذ الدروس المستفادة من هذه الحالات في المرحلة التالية عندما يفي المانحون بوعودهم، كما يجب على الاقتصاديين وضع استراتيجية، خاصة للاقتصاد خارج القطاع الرسمي، وتنشيطها عبر ما ستحصل عليه الدولة من الجهات المانحة، والعمل على تنفيذها للاستفادة من الموارد الطبيعية لهذه الأرض الغنية، وبالتالي تحقيق تحول اقتصادي نوعي بالشفافية، بعيداً عن متلازمة السلطة والثروة، التي عادة ما تنحرف في مثل هذه الظروف عن منطق السياسة الحقيقية، كنظام متكامل للقانون والأخلاق من أجل المصلحة العامة للشعب على جميع الآفاق.