الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

السياسة.. الأقوال والأفعال

إن المتأمل بعمق في عصرنا هذا يجد أننا نعيش زمن الحقائق الافتراضية، أي الحقائق التي نسمع عنها ولا نتمَاس معها، ولا نتيقن من وجودها كحقيقة فعليَّة.. فكل شيء في هذا العصر يُعبَّر عنه من خلال الصورة والكلمة، والصورة تتحدَّد أبعادها بموقع وسيلة التصوير، ولذلك هي تنقل جانباً من الحقيقة يكون في مصلحة الجهة التي يقف فيها المصور، والكلمات صناعة تحتاج إلى مهارة لغوية، فمن يجِد هذه المهارة، ويمتلك نواصيها يستطع أن يشكل حقائق الواقع.

وفي دنيا السياسة تلعب الأقوال دوراً محورياً في الحملات الانتخابية، وفي محاولات كسب رضا الجماهير، وأحياناً يتم الخداع بالكلمات، ويتم الابتزاز بالكلمات، وتتم سرقة أصوات الناخبين، وإرضاء الجماهير ببلاغة الكلمات... كل ذلك إلى حين، إذ لا بد أن تتحول الأقوال إلى أفعال، وإلا يفقد السياسي شرعيته، ورضا الجماهير عنه، وتظهر حقيقة الخداع فيه، ولا ينال تأييد شعبه بعد ذلك.

وفي هذه الأيام تمر مناسبة نهاية حكم تنظيم الإخوان الفاشل في مصر، وتنطلق أبواق الدعاية الإعلامية السوداء من قطر وتركيا تتكلم عن إنجازات الدكتور محمد مرسي، رحمة الله عليه، وتقدم بانوراما هائلة لإنجازاته العظيمة، وإنجازات فريقة العبقري الذي لم يدم حكمه أكثر من سنة واحدة، كل ذلك اعتماداً على الأقوال والخطب والوعود والأمنيات التي قالوها، ولا يذكر أحد من هذه الأبواق الدعائية حقيقة واقعية واحدة تؤكد كل تلك الإنجازات البلاغية اللفظية، التي كانت في طور الأقوال والكلمات، لأن الكلام من الكلم، أي من الجرح والتأثير، ولم يحقق هؤلاء كلماً ولا تأثيراً.


وفي ذات الوقت تتجاهل هذه الأبواق الدعائية الأفعال الحقيقية التي حدثت في مصر منذ 2013 وحتى اليوم، والحقائق الواقعية التي أحدثت نقلة نوعية في مجالات كثيرة في المجتمع المصري، وذلك لأنها لم تصاحبها خطب عصماء تستمر لساعات طوال، ووعود جميلة براقة تلهب خيال الجماهير.


إن مقارنة الأفعال والحقائق التي تحققت في مصر طوال السنوات الست السابقة بما تحقق في الأربعين عاماً التي سبقتها، سيثبت أن المجتمع المصري شهد طفرات هائلة في مجالات كثيرة.

التاريخ لا يهتم كثيراً بتسجيل الأقوال ما لم تتحول إلى أفعال، لأن مهمة التاريخ تسجيل الحوادث التي تقع، والأفعال التي تتم، والإنجازات التي تتحقق، أما الأقوال فمكانها كتب الأدب، إذا كان فيها محتوى وعمق وجمال وخيال، أو كتب الحكايات الشعبية إذا أوغلت في الأسطورية، أو يتم تجاهلها بصفتها ليست أكثر من ثاني أكسيد الكربون خرج من فم قائلها يضر ولا يفيد.