الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

هونغ كونغ.. وبداية التذمّر من الصين

الصين تنهض الآن من الرماد بعد أن ضربتها جائحة فيروس «كوفيد-19»، لتعيش ظروفاً أكثر صعوبة ولم تكن متوقعة، ولقد تمت الموافقة يوم الثلاثاء الماضي، 30 يونيو، في جلسة مغلقة للجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني على قانون الأمن الوطني، أو ما يُعرف أيضاً باسم قانون جمهورية الصين الشعبية، للحفاظ على الأمن الوطني لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، وتم إصداره بحيث يدخل حيّز التنفيذ في اليوم ذاته، وبعد أن بدأ تطبيقه مباشرة، قامت السلطات الأمنية الصينية بحملة اعتقالات ضد مئات المتظاهرين.

لقد كانت بالفعل نقطة تحول كبيرة بالنسبة لهونغ كونغ، بعد أن بقيت لفترة طويلة تشكل جيباً يتمسك شعبه بالحرية والانفتاح على العالم، محصوراً داخل نطاق سيطرة الحكم التسلطي الصيني، بالرغم من أنها تُعد من بقايا فترة الاستعمار البريطاني التي ما تزال تشكل تحدياً لسيادة الصين.

وبعيداً عن حالة التعتيم المقصودة من جانب السلطات الأمنية الصينية، والافتقار للانفتاح والشعور بالمسؤولية أثناء تنفيذ القانون، فإن الأمر الذي يدعو إلى الشك أكثر هو أن الإصدار الأولي لنص القانون المذكور كان باللغة الصينية وحدها، ولم يكن هناك أي نص مرفق جاهز ومترجم بشكل كامل للإنجليزية عن القانون المذكور، وهذا بحد ذاته يخبرنا الكثير عن الموقف الشاذ الذي نشهده عن التطورات التي تشهدها هونغ كونغ.


ويُذكر أن هذا القانون الأمني الذي يصادر الحريات المدنية في هونغ كونغ، لا ينطبق على المقيمين الصينيين وحدهم، بل على الوافدين الأجانب أيضاً، وهم الذين تشكل خبراتهم وكفاءاتهم العناصر الأساسية ذات الأهمية الكبرى التي جعلت هونغ كونغ مركزاً مالياً عالمياً، ويمكن القول إن هونغ كونغ لعبت دور الجسر الذي يربط الصين بالعالم الخارجي، ويبدو أن السلطات الصينية قررت أن الوقت قد حان لتدميره.


ومن المعروف أن شرق آسيا يمثل خط المواجهة بين عالمَين، وهو يضم مجموعة من أكثر الديمقراطيات العالمية استقراراً ونضجاً، والتي حققت تطوراً اقتصادياً مشهوداً، مثل: اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، وكانت هذه البلدان الصديقة للولايات المتحدة تحرص على إقامة اتصالات دائمة مع الصين التسلطية، وكانت هونغ كونغ تشكل بؤرة استيطانية صغيرة لا غنى عنها للعالم الحر، من أجل التعامل بشكل وثيق مع الصين.

وشهدت السنوات القليلة الماضية بناء أجهزة أمنية أكثر شراسة وصرامة تحت إشراف الحزب الشيوعي الصيني والقيادة السياسية المركزية، وبات من العسير جداً معرفة ما إذا كانت هذه الإجراءات الاستثنائية الصارمة الهادفة لزيادة الضغط على قلوب وعقول السكان، جاءت نتيجة لثقة الصين باستقلاليتها المستمدة من تحقيق إنجازات مشهودة في المجالات التنموية الاقتصادية، أو أنها نبعت من الإحساس بالافتقار للأمن، لأن صوت الرأي العام لا يمكن تحمله خوفاً من الإخلال بالتوازن الدقيق للمجتمع، الذي يأوي الكثير من التوتر المخفي تحت سطح من الهدوء والازدهار الواضح.