الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

البناء الفكري.. وإعادة إعمار المدن

اجتاحت أجزاءً من بلدان عربية تنظيمات فكرية عسكرية في غفلة من الزمن والحكومات، فأقامت إمارات ودويلات وإقطاعيات ومدن نفوذ تحت مسميات دينية وقومية، وانهارت إزاءها التراكيب المدنية، التي كانت في تلك الدول منذ قيامها في فترة تأسيس الدول العربية الحديثة في أعقاب الاستعمار.

ففي العراق مثلاً، حكمت التنظيمات المُتَستّرة بالدين 4 سنوات في بعض المناطق و3 سنوات كاملة في أبرز مدنه، وأوّلها الموصل وتكريت والفلوجة والرمادي، وذلك الحكم لم يكن عسكرياً فحسب، وإنّما هو حكم فكريّ بامتياز.

هذا التغيير الذي نسف تكوينات سياسية واجتماعية، وغيَّر المناهج الدراسية، وأعلن التعبئة العسكرية «الجهادية» للأطفال، ليس حدثاً عابراً انتهى مع قرارات تحرير الأرض بقوات محلية ودولية، وإنّما هو ضربة عميقة في النسيج البنائي للمجتمع، لا تزال آثاره، بعد مضيّ 3 سنوات على نهاية تلك المعارك، شاخصة ولها مفعولها السلبي في المجتمع.


أهم سبب هو أنّ الحكومات أعادت المدارس، لكنّها لم تستطع أن تطور المحتوى والمضامين والبرامج لتطوير الذات الفردية وإعداد التلاميذ، جيل المستقبل، بطريقة الوقاية من الأفكار الدخيلة الهدّامة، التي تسلّلت للمجتمع عبر سنوات طويلة، كان الإسلام السياسي يشتغل خلالها ببطء في ظل وجود أنظمة الرجل الواحد القوية، كما في العراق وسوريا. حتى وصلت الأمور إلى نقطة الانفجار والانكشاف والمواجهة.


الفشل الحكومي، الذي كان سبباً مباشراً في فتح أبواب الغفلة لتسلل تلك التنظيمات، التي قدّمت نفسها على أنّها البديل للدول العربية القائمة، إنّما هو فشل متناسل مستمر لم تتمكن الإدارات الحكومية من تجاوزه والإفادة من التجارب المريرة التي مرّت، وتعرّض من خلالها تاريخ المنطقة للتدمير، وليس الإنسان كقيمة فردية في وحدات اجتماعية فقط.

لا تزال حصانة الدول هشّة في حال مواجهة هجمة خارجية، تحت دواعي تحرير الإنسان من الظلم الذي يتعرض له بيد أنظمة لا تزال تحكم بعقليات أحزابها، المنتجة لأفكار تجاوزتها الحياة العربية قبل 3 عقود في الحد الأدنى.

الأحزاب الدينية في العراق مثلاً تحكم بآليات حزب البعث، الذي كان نتاج أربعينات القرن الماضي، من هنا لا يشعر المواطن بالتغيير الجوهري في تبديل الأسماء والعناوين، ونراه يطالب بنسف المشهد القائم، لأنّه سبب مباشر في استمرار تحطيم قيم العدالة الاجتماعية، وإعاقة تحرير الإنسان والثروات، بشكل يسهم في بناء البلد، بعيداً عن بحر الفساد المحيط من كلّ جانب.