الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

خلفيّات استقالة «إدوارد فليب»

لم تكن استقالة «إدوارد فليب» من رئاسة الحكومة الفرنسية برغبة ذاتية منه، وإنما كانت بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أصيب أخيراً بفوبيا خاصة، وهو يراجع حساباته السياسية ويدققها، مُشرئِباً بعنقه إلى الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في سنة 2022.

ليس لأن إخفاقه في الضبط الجيد لملف التأمين ضد البطالة، وارتباكه في معالجة أزمة السترات الصفراء، وعجزه في تدبير بدايات الجائحة، هو السبب في هذه الفوبيا، لأنه لم يُعبر ولو في مناسبة واحدة عن قلقه تجاه هذا الإخفاق وسوء التدبير، لذلك فالسبب يكمن في الخوف من انهيار مشروعه السياسي والمجتمعي، وأفوله الذاتي، ومن ثم سقوطه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن العوامل التي ضاعفت من هذه الفوبيا شعوره بتجاوز المجتمع الفرنسي لمشروعه السياسي، وعوض أن يقدم نقداً ذاتياً للفرنسيين عن الأخطاء التي ارتكبها، مُذيلاً بخريطة طريق واقعية لإعادة البناء وتحقيق المصالحة، تهافت إلى وضع خطة تقليدية تتمثل في التعديل الحكومي عبر مدخل دفع رئيس الوزراء إلى الاستقالة، بالرغم من أن 57% من الفرنسيين متشبثين ببقائه رئيساً للوزراء وفق استطلاع للرأي نشره معهد «إيلاب بيرجي ليرو».


يمكن إجمال خلفية تعيين جون كستيكس رئيساً للوزراء خلفاً لإدوارد فليب، في عنصرين محوريين، هما: أولاً، نظراً لكون كستيكس ينتمي إلى اليمين المعتدل ويحظى باحترام اليمين بمختلف فصائله، فإن التقديرات السياسية لماكرون كما أشارت إليها تصريحاته الأخيرة، تلح على أهمية امتصاص قوة اليمين وتحويلها إلى صالحه عبر تنسيق سياسي يهدف إلى التحالف في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لذا كان اختياره لكستيكس كرئيس للوزراء رسالة واضحة إلى اليمين قصد إثارة تفكيره في هذا العرض اللامباشر.


ما يُقوي هذه الفرضية عدم تخوفه من اليسار الذي أصبح متشرذماً بالرغم من تحالفه مع حزب الخضر، وسيطرتهم في الانتخابات المحلية الأخيرة على مدينتي ليون ومرسيليا، لأن الانتخابات الرئاسية لها منطق يختلف عن منطق الانتخابات المحلية.

ثانياً، صعود نجم فليب إدوارد الذي بدا أكثر تأثير من رئيس الجمهورية، خاصة فيما يتعلق بإدارة أزمة كورونا، حيث كشف آخر استطلاع للرأي أنجزه معهد إيفوب أن 60% من الفرنسيين ساخطون على سياسة ماكرون، مقابل رضى 49% من المستطلعين عن أداء فليب إدوارد.

لقد أسهم هذا الاستطلاع في توتر العلاقة بينهما، وأشارت الصحافة إلى بعض منه، بنشر خلافاتهما والتركيز على تجاوز ماكرون لقرار الحكومة، الذي قضى بمنع فتح متنزه للألعاب يملكه سياسي من اليمين المحافظ، وبهذا المعنى، يكون ماكرون قد لعب هذه الورقة السياسية لإيقاف الصعود السياسي لفليب الذي أصبح يخيفه وينافسه سياسياً.

ومهما كانت خلفيات تفسير الاستقالة، فإن ماكرون قد خيب آمال الفرنسيين ولم يعدوا يثقون فيه، ما سيقوي من حظوظ فوز اليمين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.