الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

ذكّرتنا الجماجم.. ثم رحلت

لا يمكن لأحد أن يقلل من قيمة الحدث الذي شهدته الجزائر بمناسبة عيد الاستقلال الموافق ليوم 5 يوليو، باسترجاعها جماجم 24 بطلاً من أبطال المقاومة الشعبية، حيث كانت رسالة قوية عن حجم التضحيات، التي بذلها الشعب في سبيل استرجاع السيادة والتحرر من براثن الاستعمار.

لقد انطلقت المقاومات الشعبية بوسائل بدائية، في أول يوم من وصول البوارج الحربية الفرنسية لمنطقة سيدي فرج قرب الجزائر العاصمة عام 1830، وذلك بعد 3 سنوات من تحطيم الأسطول الجزائري في معركة نافارين عام،1827 بعدما ظل الجزائريون لسنوات طوال أسياد البحر المتوسط، وتواصلت المقاومة في كل جهات الجزائر، لكنها لم تكلل بالنجاح حتى جاءت ثورة نوفمبر الخالدة عام 1954.

ومنذ ذلك الحين دفع الجزائريون أزيد من 6 ملايين شهيداً ثمناً للحرية، وإلى يومنا هذا من عام 2020 لا يزال الجزائريون يدفعون الشهداء من ضحايا الألغام التي زرعتها فرنسا على الحدود التونسية لمنع وصول الأسلحة إلى المجاهدين، كما لا يزالون يستشهدون متأثرين بالتفجيرات النوووية الفرنسية عام 1961 التي قيل إن صداها بلغ حتى مدن أوروبا، و لايزال النسل الجزائري المنفي في عدة جهات من العالم يشهد على بشاعة الاستعمار، مثل الجزائريين المنفيين في كاليدونيا من أبطال مقاومة المقراني، والمنفيين إلى الشام من زعماء مقاومة الأمير عبدالقادر الذي دفن في دمشق وأعيد دفن رفاته في الجزائر عام 1966.

كما أنه إلى يومنا هذا لا يزال المئات من الشهداء مجهولي القبور، ولا يعرف أحد كيف استشهدوا وأين دفنوا، على غرار الشيخ العربي التبسي، الذي يقال إن جسده أذيب في وعاء من الزفت المغلي.

إن جماجم أبطال المقاومات الشعبية المحفوظة في متحف الإنسان بباريس وجه آخر من وجوه الاستعمار البشع، ما لا يقل عن 14 ألف جمجمة، اكتشفها باحثان جزائريان عام 2011، وتمكنت الجزائر من استرجاع هذا العدد في انتظار البقية، لكنها معركة صعبة بصمود اللوبي المتمسك بفكرة «جزائر فرنسية».

لقد دفن الأبطال الـ24 بعد أكثر من 170 سنة، وأعادوا تذكيرنا بجرائم الاستعمار، وبحجم التضحيات، وبواجب الوفاء للشهداء.

إن الحرية ثمنها باهظ، وكذلك بناء الدولة القوية العادلة التي حلم بها الشهداء، والاستعمار اليوم يعمل المستحيل للحيلولة دون استكمال المعركة، ليس في الجزائر فحسب بل في كل الدول التي كانت مستعمرة.. إنها معركة أخرى يا سادة، ذكرنا بها المقاومون.. ثم رحلوا.