الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

حكمة تقدير الأمور

ذات مشكلة نصحتني إحدى الحكيمات، وقالت: حين تصادفك معضلة وتظنِّين أنك لن تتجاوزيها، تخيليها حفنة رمال صغيرة تطئينها بقدميك، ثم اعبري من فوقها.. وقتها تجاوزت الأزمة، لكنني لم أتمكن بعد من تحويل كل معضلة إلى حفنة من الرمال.

نحن نتمنَّى أشياء كثيرة، ليست بالضرورة مهمة، ونحزن على أشياء عديدة قد لا تكون مؤثرة، ونغضب لأسباب مختلفة، قد لا تستحق أن نتوقف عندها.. نحن في أحيان كثيرة نفتقد حكمة تقدير قيمة الأشياء والأمور وتقييمها، ونصبغ على بعض الأشخاص هالة عظيمة من اختراعنا ووجداننا وأمنياتنا، ونمنح بعض القضايا مزايا واعتبارات هي في حقيقة الأمر فرضيات وتوقعات تخيب في كثير من النهايات.

الغالبية العظمى من الأمور التي تستنزف معنوياتنا، وتفتت أجسادنا، هي أمور هامشية لا صلة لها بالجوهر، أو هي جزء من دورة الحياة التي لن تخطئنا، ولن ننجو منها: مثل الموت والخيبة والمرض وتقلب صروف الدهر.. فما هو الجوهري الذي يجب أن نقبض عليه ونحرك مشاعرنا لأجله؟ سؤال ليس بالسهل! فالجوهر مبدأ حير الفلاسفة والحكماء والروحانيين، وكلٌ خاض طريقه ورحلته لاكتشافه، ولم يزعم أحدهم أنه بلغ المنتهى ووصل إلى حقيقة الجوهر.


ليس سهلاً أن تدرك ما هي الأشياء المهمة التي يتعين أن تسعى خلفها وأن تحزن لأجلها، وليس سهلاً أن تعي في موقف الانفعال أو الأزمة أن الأمر لا يستحق أي اهتمام، فعلى نقيض كل ما سبق، يحدث أن تتغاضى عن أمر أو قضية أو تتجاهله لتكتشف بعد مدة أن الأمر تعاظم وتطور وكبر في غفلة منك.


كيف تزن الأمور؟ وكيف يثقب بصرك ظواهر الأشياء ليعرف حقيقتها؟ وكيف تتنبأ بمآلات الأمور وخواتيمها؟ إنها أسئلة الحكمة، والاتزان، والاستشراف.. إنها حسن التقدير الذي يصعب أن نبلغه، والذي نقضي جل حياتنا نتدرب عليه بعد كثير من الخسارات، ثم نحاول أن نفضي ببعض دروسنا وعظاتنا إلى الآخرين.. الخسارات أحياناً مفيدة، فهي تتحول إلى عبر للآخرين، وقد نستمتع بأننا أصحاب عبر تفيد الآخرين.

عودة بسيطة، بالذاكرة، لماضٍ قديم، تثبت لنا أن كثيراً من حكاياتنا هي حكايات هامشية، كان يكفي أن نمر عليها مروراً كريماً لطيفاً، وأن كثيراً من مشكلاتنا كنا نحن فيها المشكلة، بمبالغاتنا وتوجساتنا وتحسساتنا.. ساعة صفاء قصيرة ستشعرنا أن أمور الحياة أبسط كثيراً من المساحة التي تحتلها في أذهاننا، وأن كل قضية كبيرة نواجهها، ربما تكون كومة رمال صغيرة تعثرنا بها، لا أكثر.