الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

العراق.. وكارثة تعدد الولاءات

واحدة من أبرز مشكلات العراق المعقدة هي: تعدد ولاءات شعبه وسياسييه وحُكَّامِه، فهنا نحن لا نتحدث عن النخب الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية التي تتمتع بروح وطنية عالية، وهؤلاء قلة إذا ما قارنا أعدادهم ببقية العراقيين، الذين يدينون بالولاء للعشيرة والمذهب والطائفة والمناطقية على حساب ولائهم للوطن، وهذا ما قاد، بعد 2003 خاصة، إلى أن تتسع الولاءات عند بعض أتباع المذاهب لتتجاوز حدود البلد، وتكون لهذه الدولة المجاورة أو تلك.

هذه المشكلة ليست حديثة العهد، بل منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في بداية عشرينات القرن الماضي، حيث شخّصها أول ملوك االعراق فيصل الأول عندما قال: «أقول وقلبي ملآن أسى، إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية».

وقبل أكثر من 6 عقود شخَّص عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي في دراسته للشخصية العراقية باعتبارها «شخصية ازدواجية تحمل قيماً متناقضة هي قييم البداوة وقيم الحضارة»، وأثبت أن «لجغرافيا العراق أثراً في تكوين الشخصية العراقية، فهو بسبب وجود النهرين، بلد يسمح ببناء حضارة، ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ».


لقد أجبرت قوة القوانين في منتصف السبعينات الفرد العراقي على أن يخفي، على الأقل، ولاءاته العشائرية عندما تم تشريع قانون يمنع استخدام الألقاب العشائرية، إلى جانب شيوع ثقافة اجتماعية مدينية (من مدينة)، شبه عامة بعدم الإفصاح عن المذاهب الدينية (الشيعية والسنية)، رافق ذلك الرخاء الاقتصادي والتقدم في مجالات التعليم، وهامش الحريات السياسية والسفر، فكانت الجامعات العراقية هي بوتقة لانصهار الفئات العشائرية والدينية والمذهبية في المجتمع العراقي، ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية لتوحِّد غالبية العراقيين في ولاءاتهم لصالح الوطن دفاعاً عن سيادته، مقابل ذلك بقي المجتمع الريفي متمسكاً بقوة بعاداته القبلية وولائه الطائفي حتى الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث هجم الريف بكل قيمه المتخلفة على المدينة وريفها.


اليوم تعاني النخب المثقفة من هزيمتها أمام تشتت ولاء الفرد العراقي لعشيرته ومذهبه ولسلاحه اللاشرعي، ولمصالحهم الشخصية البعيدة عن المصالح العليا للوطن، في ظل غياب قوة القانون وهيبة الدولة، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية التي لا أحد يعرف كيفية معالجتها.