الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

خيمة لكل خيبة

يبدو أن ثلث العرب فقط مواطنون في بلادهم، والثلث الثاني مرتزقة، والثلث الأخير لاجؤون ونازحون.. حيث قتلت الطائفية والانتماءات لكل شيء وكل جماعة الوطن.. ولو نظرت إلى كثير من الدول العربية لرأيت في كل دولة خياماً كثيرة وفساطيط متعددة على كل منها لافتة.

فلكل جماعة أو طائفة أو فئة خيمتها، للإخوان، وللسلفيين، وللملحدين، ولليبراليين، وللعلمانيين، وللسنة وللشيعة.. ولكل جماعة أو فرقة خيمتها.. وستلف وتدور بحثاً عن خيمة الوطن وستعود صفر اليدين.

ربما تجد خيمة صغيرة منزوية بعيداً، لا تكاد تراها، وقد كُتب عليها بخط ـ يصعب على المرء تبيّنه ـ خيمة الوطن.. تلك هي المأساة التي لا أرى منها مخرجاً، وهي: كل الانتماءات إلا الانتماء للوطن.


إن تعدد أسماء التنظيمات والفصائل والجماعات يؤكد أن الأوطان ماتت في قلوب العرب، وأن سكان دول عربية كثيرة ليسوا سوى جيران على أرض واحدة، وليسوا أبناء وطن واحد.. كما أن تلك الانتماءات قتلت فكرة العروبة نفسها، حتى أصبح كل العرب مجرد جيران في منطقة واحدة وبينهم ما صنع الحداد، وأن عداءهم لبعضهم أكثر تجذراً من عدائهم لأي عدو آخر.


والمأساة الأخرى، أن العداء كان في الماضي رسمياً على مستوى الأنظمة، وسرعان ما يعود الوئام بجلسة، ولكن هذا العداء الآن صار شعبياً بسبب كثرة الجماعات والفرق والفصائل والطوائف، ولا يمكن عقد جلسات بين الشعوب لتذويب هذا العداء.

وإلى الآن، لا أستطيع أن أفهم كثيراً من المصطلحات العربية التي اخترعناها لتجميل القبيح... فمثلاً لا أفهم معنى المعارضة المسلحة، فهي تسمية جميلة لجماعات القتل والتدمير القبيحة، والذي أفهمه أن المعارضة مصطلح سياسي، وأن المسلحة مصطلح عسكري.. فكيف تكون معارضة ومسلحة في الوقت ذاته؟

والأمر الآخر الذي لا أفهمه، أن الفصائل التي تعارض نظاماً واحداً.. لماذا هي فصائل؟.. كيف وهي تعارض نظاماً واحداً؟.. لماذا فتح وحماس والجهاد والجبهة الديموقراطية والجبهة الشعبية؟.. لماذا كل هذا والعدو واحد؟ ولماذا فتح الشام وسوريا الديموقراطية وداعش ومعارضة تركيا ومعارضة غيرها.. لماذا كل ذلك ما دام النظام الذي تعارضه واحداً؟

لا تفسير سوى أن كل فصيل وكيل عن دولة أو قوة إقليمية أو دولية.. لا تفسير سوى تقسيم الكعكة على أكثر من فصيل وتوزيع الغنائم على أكثر من جماعة.. لا تفسير سوى أن العرب أدمنوا الطائفية والخيبات وصار لكل خيبة خيمة!