الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

حروب من نوع آخر

لم تعد الحروب بمفهومها العام، ذلك الشكل التقليدي لخصام الدول والكيانات السياسية، حيث باتت التجارة حرباً وكذلك الصيدلة والأمراض.. جميعها حروب من نوع آخر تهدف للربح وتحقيق المكاسب، وبأشكال أكثر جدوى للرفاه وأسرع للغنى والسيطرة التي لا تعدو كونها اقتصادية فقط، وإنما تتعداها للتحكم والتوجيه ومن ثم ضمان التبعية.

فالقوي الذي يسيطر على الضعيف لا يحتويه بل يبتلعه ليضمن عدم خروجه عن الخط المرسوم له والمتوجب عليه اتباعه، في تكريس للإمبريالية الجديدة الهادفة لاستمرار الاستعمار الجيوسياسي والاقتصادي بدل القديم، الذي بات لا يلائم روح العصر الحديث، حيث لا المجتمع الدولي والشعوب ستقبل بالوصاية الدولية، التي مثلتها عصبة الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، والمستغلة لظفرها ففرضت وصايتها أولاً بالمفهوم القانوني، ومن ثم تحول ذلك لاستنزاف الأرض، وما فيها لصالح القوى العظمى، التي وإن منحت الدول استقلالها إلا أنها لم تتخلَّ عن مطامعها، لتعمد للرأسمالية المتوحشة التي نظرت لها مدرسة «شيكاغو».

وكان البنك الدولي ومؤسسة النقد ومنظمة التجارة العالمية، وقبلها اتفاقية الجات أهم منتجاتها، التي تولت بدورها عقد الاتفاقيات الثنائية والإقليمية مع دول العالم، التي بظاهرها تشجيع الدول النامية ومنحها مزايا تفضيلية، إلا أن الواقع يحمل خلاف ذلك، فبنودها مكرسة لسلطة الشمال القوي وضامنة لتدفق بضائعه ومنتجاته بدون قيود جمركية، تخفف من سيطرته على الأسواق، مع رفع الدعم الحكومي عن المنتج المحلي، ما يجعله غير قادر على المنافسة مع الأجنبي المستورد.


في الطب تحولت صناعة الدواء لتجارة مربحة أكثر من السلاح، ويكفي أن نعلم بأن أرباح إحدى الشركات الصيدلانية الكبرى تفوق الميزانية السنوية لعدة دول أفريقية مجتمعة، أما نفوذها فكبير جداً عبر لوبياتها الإعلامية القادرة على نشر الذعر الشعبي من مرض أو فيروس ما، فتهرع الدول لشراء اللقاح والدواء المعالج بالمليارات، لكنها ما تلبث أن تتلفه بعد سنوات من عدم استخدامه وتخزينه، لتعقب ذلك حرب فيروسية أخرى من صنع البشر، تثير بدورها استنفاراً عالمياً لمواجهتها، لتستمر عجلة الربح في الدوران جالبة مكاسب هائلة لشركات الأدوية، التي وإن كانت مملوكة للقطاع الخاص في الدول المتقدمة إلا أنها تخضع لسياساتها وقوانينها، وتسهم في اقتصاداتها عبر تشغيلها للقوى العاملة من المواطنين ودفع الضرائب.