الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

لوكسمبورغ.. ملتقى الحضارات الأوروبية

مع تزايد احتمالات توقف السفر بسبب جائحة كورونا، قررت القيام بزيارة صيفية إلى لوكسمبورغ، وهي أصغر دولة في الاتحاد الأوروبي، حيث تبلغ مساحتها 2586 كم مربع، ويمكن مقارنتها بإمارة دبي التي تبلغ مساحتها 4100 كم مربع، ولا يكاد اسمها يظهر أبداً في عناوين الصحافة العالمية.

وإذا كان يقال إن «الشعب السعيد لا يصنع تاريخاً»، فربما ينطبق هذا القول على لوكسمبورغ، وهي تتفوق في مستوى غنى مواطنيها، حيث تحتل المرتبة الثانية على المستوى العالمي في معدل الناتج المحلي الإجمالي الفردي، وهي تصنف بعد قطر في هذا المقياس، والأهم من ذلك أن مصدر ثروتها لا يعتمد على الموارد الطبيعية، بل على نجاحها في أن تحتل مكانة مهمة كمركز مالي عالمي، وهي مقصد للشركات العالمية التي تنجذب إليها بسبب ريوعها الضريبية المنخفضة.

ويضاف إلى تلك المزايا أنها تعمل بجدّ على تعزيز مكانتها في مجال ابتكار التكنولوجيات الجديدة والمتطورة وتطوير الوسائل الإعلامية والخدمات اللوجستية، فضلاً عن العديد من الميزات الأخرى، ويتميز اقتصادها بالديناميكية والحيوية، ويلقى الدعم من تدفق حشود الزوار الأجانب القادمين من فرنسا وألمانيا بشكل خاص.


إلا أن هذا الثراء الزائد لا ينعكس على ظروف معيشة سكانها البالغ عددهم 614 ألفاً، حيث إن نصفهم فقط هم من مواطني الدولة، ولقد آثروا الاحتفاظ ببساطتهم وطبيعتهم الاجتماعية المتشابكة، وإخلاصهم لإرثهم التاريخي الغني بالعادات والتقاليد. وفيما عدا المنطقة الجنوبية من البلد، والتي تتميز بانتشار الصناعات الثقيلة التي تعتمد على الحديد والفولاذ، فإن لوكسمبورغ تُعد أرض الغابات والهضاب والسهول الخصبة، وتنتشر على أطراف وديانها الغنية بالأنهار والروافد المائية مئات القرى الصغيرة المنعزلة.


ويبدو كل الناس في ضواحي المراكز السكنية منشغلين بالعديد من الحرف، وتنتشر في العاصمة المكاتب والشركات الخدمية، ويحترف جزء كبير من السكان تربية المواشي وقطع الأخشاب والتجارة بها، كما تستأثر ببيئة تُعدّ الأكثر نظافة على سطح الأرض، وهذا ما يزيد من رغبة السيّاح الآتين من البلدان الأوروبية المجاورة في زيارتها.

ويضاف إلى كل ذلك، أن لوكسمبورغ ليست جنّة مفقودة، وبسبب موقعها في قلب قارة أوروبا، فإنها تتربع على الخط الفاصل بين الحضارتين الألمانية والرومانية، ولهذا السبب، بقيت على مر العصور السالفة ميداناً لحروب الإمبراطوريات والممالك التي سادت أوروبا.

ويمكن القول إنها تعلمت الكثير من خلال ماضيها المضطرب، وهي اليوم مثال يحتذى في التمسك بالديمقراطية والسلام والدعوة إلى الحوار لحل المشكلات التي يعاني منها العالم.

ولوكسمبورغ هي الدولة التي تتبنى ثلاث لغات رسمية، الفرنسية والألمانية بالإضافة للغة «اللوكسمبورغية» الوطنية المشتقة من الألمانية، وبالرغم من الحجم الصغير لهذه الدولة إلا أنها احتلت مقعداً في مجلس الأمن الدولي خلال السنوات القليلة الماضية، وبسبب كونها ملتقى للثقافات والحضارات، فإنها تستضيف العديد من المؤسسات الدولية، مثل: محكمة العدل الأوروبية، وبنك الاستثمار الأوروبي.