الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

التغيير أساس الاستقرار

كل نظام ذكي في العالم يُجدد نفسه بإحداث تغيير، يضمن به استمرار سريان القوى والدفع والتحفيز للنظام والمجتمع، يحدث هذا حتى لو كان عمر النظام قصيراً أو حتى لو كان حديث العهد بإدارة العمل السياسي.

بعد قليل يكتشف النظام، أي نظام، مكامن الخلل في إدارته للشؤون الخاصة بالمجتمع، والفارق هنا بين نظام وآخر هو مدى شجاعته في إدراك الخطأ والمسارعة إلى تغييره.

أذكر ما حكاه لي توني بلير ـ رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ـ عن تجربته في العامين الأولين، وكيف وجد نفسه وحكومته وبلده يتجهون إلى كارثة، بسبب حداثة عهده وقتها هو وزملاؤه الوزراء في مسألة إدارة شؤون بلد كبير كالمملكة المتحدة، وهنا أدرك، كما قال لي، أهمية أن يتوقف ليعيد تنظيم البيت من الداخل، وأتى بمن يعرف في هذا الأمر والمتخصصين فيه لإعادة هيكلة ماكينة حكم البلاد التي يقودها.


وبعد دراسة «علمية» على يد «علماء ومتخصصين» في الإدارة استطاع أن يمتلك تلك الماكينة، التي جعلت من فترة حكمه واحدة من علامات التاريخ البريطاني الحديث، هذا بغض النظر عن أي تقييمات سياسية له ولحكمه.


إحدى القوى الكامنة في المجتمع البشري هي قوى التغيير، وأظنها مثلها مثل قوى الطبيعة التي ظل الإنسان يهابها ويخافها، حتى تمكن من التعامل معها، والسيطرة عليها نسبياً.

دعونا نتخيل الإنسان الأول وهو يفزع كلما تسببت العواصف في إحداث حريق، وظلت قوة خفية وغير مسيطر عليها حتى تمكن من التحكم في إشعال النار، بذلك تخلص من خوفه منها، واستطاع الاستفادة بها، وهكذا بقية القوى الأخرى التي يظل الإنسان متخوفاً منها حتى تمكَّن من السيطرة عليها أو توظيفها وفقاً لاحتياجاته، ولو لم يتمكن من ذلك فإنه لا يملك إلا أن ينسحق أمامها أو يتجنبها.. هكذا ظلت الحال مع قوة الرياح والمياه والعواصف، وأظنه يصلح للتطبيق على قوة التغيير.

هذه المخاوف يمكن أن تنطبق على التعامل مع تلك القوة القديمة المتجددة، وهي الرغبة في التغيير، أو قوة التغيير، وهي تعيش الآن إحدى أعتى صورها وأفضل تجلياتها، وهي قوة قابلة للتوظيف الإيجابي، أو للانسحاق أمامها، المعيار هنا أو العنصر الحاسم هو: هل نقود نحن التغيير أم نقف متسمرين أمامه فلا نجد مستقبلاً لنا إلا بانسحاقنا وفقاً لقوانينه أو لقوانين من يحركه؟