السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

تونس.. الديمقراطية تهزمُ النهضة

استقالة رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ الأربعاء الماضي، أكدت أن المواقف السياسية والإجراءات القانونية، انتصرت على ما كان يُدبِّره مجلس شورى حركة النهضة.

عبّرت النهضة عن رغبتها في إسقاط الفخفاخ، كان ذلك جليّاً قبل ظهور ما عرف بقضية «تضارب المصالح» التي اتصلت برئيس الحكومة.. الرغبة في إسقاط الفخفاخ كانت نابعة من دوافع أخرى غير تلك التي سوقتها النهضة وحزامها البرلماني.

كانت النهضة برغبتها تلك تعاقب الفخفاخ لأنه رفض توسيع الائتلاف الحكومي، الذي كان يعني إدماج حزب قلب تونس (الذي تعلقت برئيسه شبهات فساد كثيرة) في الحكومة، وتعاقب الرئيس قيس سعيد، لأنه دافع عن صلاحياته التي سطا عليها الغنوشي في أكثر من واقعة.


وصل التوتر السياسي أوجّه الأربعاء الماضي، حين قدم الفخفاخ استقالته بناء على نصيحة من الرئيس سعيّد، ما يعني دستورياً أن تكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة سيعود للرئيس.


هنا كان الصراع على أشده بين الرئيس والفخفاخ من جهة والنهضة وتوابعها من جهة أخرى.. صراع بين إرادتين سياسيين؛ إرادة تصر على احترام مقتضيات الدستور والقوانين، وإرادة تضمر اتخاذ البلاد رهينة لأحلامها الأيديولوجية، وفي كل المحطات السياسية السابقة كان مستقبل البلاد يُدبّر بليل مجلس شورى النهضة.

توصلت النهضة منذ سنوات إلى إنتاج مشهد سياسي يقوم على تعويد الناس على انتظار مخرجات اجتماعات مجلس الشورى، عبَّر ذلك عن تعالي النهضة وإحساسها بانتفاخ حجمها السياسي، وعكس أيضاً ضعف بقية الأحزاب التقدمية والوسطية التي تنتصر للخيارات الوطنية.

ما كان واضحاً خلال أحداث الأسبوع المنقضي، أن المعركة تدور بين قيس سعيد والنهضة، يستعمل سعيد في معركته مع النهضة، الأساليب القانونية والدستورية، في حين تستعمل الحركة الإسلامية أساليب المناورة والتقية وإعلان عكس ما تضمر، فضلاً عن إيلاء مصالحها الأولوية على حساب مصالح البلاد.

انتصر قيس سعيد مجدداً على النهضة، لا فقط في معركة رئاسة الحكومة، بل لأنه فرض عليها أن تكون أقلية في الحكومة القادمة، بدل التضحية بالبقاء خارج الحكم، ما يعني تلاشي حظوظها في الانتخابات المقبلة.

ما بينته أحداث الأسبوع الماضي أن العقل الديمقراطي التونسي المنضبط لأحكام الدستور، انتصر على عقل مجلس الشورى المواظب على الارتياب والتآمر.

المفارقة التونسية أن الديمقراطية المتعثرة منذ عام 2011، تحكمها «شورى» النهضة، وفي ذلك تناقض خطير بين مفهومين قادمين من زمنين مختلفين، جعل البلاد مترنحة بين مشروع يرنو إلى الحداثة السياسية، ومشروع يربط مستقبل البلاد بالماضي.