السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أيّ إرث ثقيل ينتظر«بترا»؟

أنا أكتب الآن من بيتي في المدينة البلجيكية.. زوجتي وابنتنا الوحيدة «بترا» منذ الأسبوع الماضي في العاصمة الهنغارية «بودابست».

ترسل لي زوجتي قبل ساعات من كتابة هذه السطور عبر الواتساب فيديو لابنتي بترا، وهي تلعب مع طفلة بعمرها ويتحدثان اللغة الهنغارية للتواصل.

أهاتف زوجتي لأتحدث مع بترا بعد ذلك، فأسمع صوت بترا في خلفية المكالمة وهي تتحدث من هاتف آخر مع صديقتها في بلجيكا وباللغة الهولندية، ثم أتحدث مع طفلتي بعد ذلك بالعربية التي تتقنها بطلاقة، وتخبرني عن تفاصيل يومها في تلك الإجازة التي يتوجها الحذر من العدوى، وبترا أيضاً تتقن الإنجليزية جيداً، وكلما كلّمت والدتي عبر الإنترنت تعلمت منها كلمات شيشانية جديدة.


بترا.. ولدت في مدينة «غنت» البلجيكية عام 2012، والدها «محدثكم عبر هذه السطور» أردني، وأمه شيشانية من القوقاز. والدة بترا وهي نصفي الأفضل، نصف سورية لأبيها، ونصفها الآخر هنغاري، حيث ولدت في بودابست.


تلك ليست تفاصيل شخصية، وإن بدت كذلك. هي تداعيات إنسانية عنوانها بترا ومن هم في عمر بترا في هذا العالم.. أراقب بترا وأشطح بعيداً في خيالي الفانتازي باتجاه أجدادها المتعددين: أتخيل ذلك الفلاح في تلك السهول الحورانية وهو يراقب أطفاله بعد يوم شاق في «البيدر»، يحلم لهم بأيام أكثر راحة وعافية وسهولة وقد أرهقت كاهله «الأتاوة» الباهظة.

ثم أنتقل لذلك القوقازي أقصى الشمال، ذلك الذي يحاول لملمة القلق من عيون أطفاله خوفاً من بطش جيش القياصرة.

أنتقل إلى ذلك الحلبي الذي أقفل دكانه في حلب القديمة، ودخل بيته يحمل مؤونة اليوم لأولاده المنتظرين منه خبراً عن أكبر الإخوة وقد حصده «السفربرلك» فلا يملك جواباً إلا القهر.

ومنه أقفز إلى ذلك المجري في تلك المدينة التي احتلها العثمانيون فأقفل على نفسه وعياله أبواب بيته، ويصلي من قلبه طلباً للحماية من بطش الغزاة.

أتخيل بقدر ما أستطيع تفاصيل كل هؤلاء في حياتهم، وأتساءل بالروح الفانتازية ذاتها: ماذا لو ملكت آلة الزمن وعدت إلى حيث كان كل واحد فيهم، وأخبرته عن حفيدة له، تحمل جينات منه، وتنطق ما تيسر لها من لغته التي يتحدث هو بها؟

أعود إلى الواقع، وأتساءل:

ــ كيف سأفسر لـ«بترا» كل هذا الدم المسفوح في العالم العربي؟.. كيف أوضح لها أن خلافاً على السلطة بدأ منذ ألف عام، لم ينتهِ بعد حتى اليوم، وهي طرف في النزاع بحكم الضرورة التاريخية؟.. كيف سأورثها كل هذا التعب؟ ولماذا؟