الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

إسلامان.. حقيقي وموروث

الإسلام ذلك الدين السماوي الذي كتب عنه كثيرون ومنهم د.«غلام جيلاني برق» في دراسته الموسومة «إسلامان: نوعان من الإسلام»، وهو كتاب شهير بلغة الأوردو صدر عام 1949، في باكستان، وأثار جدلاً واسعاً حين صدوره لإثارته شبهات حول صحة الأحاديث النبوية، وتراجع المؤلف لاحقاً عن آرائه، ولاستدراك ما صدر منه من أخطاء في موضوع الحديث النبوي الشريف ألف كتاب «تاريخ الحديث».

ويقدم الكتاب أيضاً مقاربة سوسيولوجية عميقة للمجتمع الإسلامي، وخلص إلى نتيجة مفادها: وجود نوعين من التدين، النوع الرباني الخالص الذي يدعو إليه القرآن الكريم، والإسلام الموروث التقليدي الذي لا يعدو كونه مزيجاً من الأدعية والطقوس وزيارة الضرائح وأداء الفرائض بشكل ظاهري، وشتان بين النوعين من التدين، فالأول رفع الأمة إلى قمة المجد والعلا، والثاني هبط بالمسلمين إلى الحضيض الأسفل في قائمة الأمم.

يعد د. برق من المفكرين المشهورين في شبه القارة الهندية، ولد عام 1901، تلقى تعليمه الديني ثم اتجه إلى الدراسة العصرية، وفي عام 1940 كتب أطروحته للدكتوراه باللغة الإنجليزية عن الإمام ابن تيمية.


ألف حوالي 40 كتاباً أشهرها: «إسلامان»، و«قرآنان»، و«دنيا القلب»، وبحث عبر مؤلفاته عن أسباب تخلف المسلمين، وشخّص أمراض الأمة كطبيب حاذق، وهو موضوع تحدث فيه المفكرون الإسلاميون في شبه القارة الهندية منذ منتصف القرن الـ19 وعلى رأسهم السير سيد أحمد خان، والشاعر محمد إقبال، وأبوالكلام آزاد، وكثيرون غيرهم، وقد تفرّد كل هؤلاء في تناولهم للموضوع.


ذكر د. جيلاني، قصة رحلته مع والده عام 1918 إلى مدينة أمريتسار الهندية، وأثناء سيرهما في شوارع المدينة رأى أن جميع المحلات التجارية ملك للهندوس، ووجد معظم المسلمين متسوّلون أو حمالون يحملون الأثقال، وكانوا عامة منهكي الأبدان وعلى هيئة رثة، فسأل أباه: عن سبب هذا الفرق الكبير بين حالة الهندوس والمسلمين، فأجابه: إن الدنيا نجس لا تصلح للمسلمين، لقد جعل الله الدنيا للكافر والجنة للمؤمن.. بعدها تيسر له التبحّر في دراسة الإسلام وتاريخ الشعوب والأمم والتعمق في فهم القرآن، فأتى بتحليله لظاهرة التدين في المجتمع الإسلامي، ومن ضمن ما توصل إليه أن هناك 128 إمبراطورية إسلامية اختفت عبر العصور، وأن الدنيا ليست إلا دار السعي والعمل والجزاء وفقاً له، والفوز فيها مشترط بالسعي والكد، كما قال سبحانه وتعالى:«وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى» (سورة النجم - الآيتان 39-40)، وقال: إنني قرأت القرآن كاملاً، ولم أجد أي آية فيه تؤكد خلاف ذلك.