السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

من الوعي إلى النسيان



تتمثل مناسبة الحكم هاهنا، الذي قد يبدو قاسياً، في واقعة كبرى وأخرى فرعية.. أما الكبرى فهي حالة للتشرذم العربي المزمن، نظراً لاستفحاش الكراهية الطائفية والعقدية والعرقية، وبروز نزعة طارئة على الشخصية العربية، تتجسد في بروز فردية مستلبة مُصابة بعمى التنكر للهوية وبحساسية الانجرار وراء كل المغامرات.

لقد تسببت حالة التشرذم هذه، في تشرذم خاص لحق الأفراد، وأنتج نفوساً لا يعنيها الفعل الجماعي في سياق بناء إرادة التحضر، وتمكين الأمة من القوة.


أدركت مكاتب الدراسات التابعة للبنتاغون أن جدار الوحدة العربية وتماسك الهوية، قبل ما يطلق عليه «الربيع العربي» قد تهاوى منذ أن تحوَّل التشرذم العربي إلى تشرذم الذوات، إذ أصبح الفرد لا يعنيه الصالح العام، ولم يعد يثق في دولته والمؤسسات التي ترعى أمنه العام.


لم تعد تهمه دلالات الديمقراطية وما يحدث لبلاده، لأن الديمقراطية في تمثله لبؤس واقعه المعيش أصبحت خدعة أو غير يقين.

بناء على هذه المعاينة المركبة، استنتجت هذه المكاتب أن الظروف قد نضجت لتفجير البلاد العربية من الداخل، وسهَّلت مأمورية تطويع ثقافتها وتاريخها اللذين لم يعد لهما حماة، ولا أي ذات جمعية يحكمها شعور الانتماء إلى فكرة الأمة الموحدة.

كما استخلصت أن ما يطلق عليه بالوعي الوطني في البلاد العربية لم تعد تمثله الأحزاب السياسية، ولا حتى هيئات المجتمع المدني، بالرغم من وجود بعض الاستثناءات المعزولة التي لا تقدر أن تلعب أي دور في التأثير على المجتمع وتأطيره، لقد استُبدل معنى الوعي بمعنى النسيان، أي نسيان ما ينبغي أن يكون عليه العرب غداً، وما ينبغي أن يضطلع به الأفراد من أدوار لتأهيل كينونة الأصل وتمنيعها من الانقراض الحضاري.

إن هذه الحالة حسب تلك الدراسات، ولَّدت قابلية الانقياد إلى القوى الأجنبية وقبول الغزو الخارجي، نظراً لكون الوجدان الوطني لم يعد مرتبطاً بمثال الكينونة كعلاقة الفرد والأصل في سياق سيرورة تاريخية قائمة على التفاعل والتكامل، بمعنى لم يعد الفرد يتمثل الكينونة كذات، وإنما أصبح يعدها غَيْرِية لها صلة بتاريخ وبمعانٍ تراثية أصبحت لا تعنيه.

أما المناسبة الفرعية، فتتمثل في عجز الدولة العربية عن جعل حضورها فرصة لإنقاذ الوجدان الوطني وترميم الوعي المتآكل، فحاولت في المقابل أن تستثمر النسيان لتجعل من نفسها مِلكاً لأشخاص قليلين، وليس مِلكاً لمجتمع مستمدة منه. لذلك، أصبحت آفة السيطرة على الدولة من طرف هؤلاء وتَسْييد نخبة مغشوشة لممارسة السلطة، وهي، غالباً، ما تفتقر إلى الكفاءة، سبباً آخر في اكتئاب المجتمع وصدمته والزج به إلى تقديم استقالته من كل معاني المواطنة واحترام المؤسسات.

نتج عن هذه الآفة انفصال المجتمع عن الدولة، وترسخ عدم الثقة، ما يُعرِّض البلاد العربية، حسب هذه الدراسات، إلى أبسط أخطار الغزو الخارجي وطمس هويتها.