السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

دمقرطة ديكتاتورية الأحزاب

إن أعمق أزمة تشترك فيها جميع الأطراف السودانية، هي: أزمة غياب الديمقراطية وقبول الآخر في أيديولوجيات وبرامج معظم هذه الأحزاب، فالديكتاتورية متجذرة في مكوناتها وفي تقاليدها وأنشطتها السياسية والتنظيمية، وهذا يبدو واضحاً في خلافاتها، ربما دون إدراكها، مع الإصرار على التشدق بالديمقراطية.

بات الاتفاق شبه كامل، على أن الديمقراطية كوسيلة للحكم اخترعتها البشرية، هي الأكثر نجاحاً حتى الآن، لقدرتها على إدارة الاختلافات بما تتوافر عليه من قوانين وأدوات.

وإذا استحضرت أفكار مؤسسات ديمقراطية ونظرياتها في أي بلد، ووضعتها بطريقة منظمة أو مشتتة، فإن الأشخاص الذين لا يؤمنون بالديمقراطية في الفكر والسلوك سينتجون فوضى أو يرتبكون ما يجلب الضعف والتفتت، كما حدث في السودان منذ استقلاله في ديمقراطياته، حيث فشلت الأحزاب في تنفيذ الفكر الديمقراطي بسبب ديكتاتورياتها، والتشرذم في داخلها، في حين كان ينبغي استخدام الديمقراطية كنظام حكم لتحقيق الغايات السامية للشعب السوداني.


إن الاستمرار في الادعاء بقيام تجارب ديمقراطية سابقة لا يستقيم، لأنها لم تنجح ولن.. إلا إذا توافرت لها الأدوات الديمقراطية، فلا يترتب الادعاء وحده مع وجود فشل لقوى سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية قَبلية تتعصب للمذهب والعرق، مع طغيان واستبدادية السلوك، فأي نجاح يحدث لهذه التجارب الديمقراطية المزعومة؟


هل يعقل أن يدَّعي شخص ما رغبته في بناء منزل ويجلب أدوات غير أدوات البناء؟ الديمقراطية لها أدواتها، وأهمها وأولها: ثقافة الديمقراطية لأنها شرط تخصيب التربة وشرط النماء لبناء الشخصية الديمقراطية، وهذه العملية تحتاج إلى مرحلة طويلة في البناء والإعداد، متعددة المراحل تؤمن بأن الطريق إلى تحقيق توازن اجتماعي، يكون ضرباً من المثالية.

إذا لم يكن الجميع مقتنعين بأن الصراع هو شيء من غريزة المجتمع، وينبغي تحويله إلى حوار مدني مفيد، وكيف يكون من الضروري التوفيق بين الحقوق والواجبات مع الحق في الاختلاف، لن يفلت السودان من براثن الفشل.

وفي هذا الإطار تقع المسؤولية على عاتق الأحزاب السياسية، فهي التي يجب أن تتبنى مقاربة ديمقراطية لتطوير برنامج وطني يسهم في غرس ثقافتها وتعميمها.

يمكن القول: إن دمقرطة ديكتاتورية الأحزاب عملية معقدة، تحتاج لإصلاحات حزبية وتثقيف بمفاهيم الديمقراطية، وعليه، فأي نظام سياسي يأتي إلى السودان بواقعية النهج الديمقراطي لمعالجة النزاعات، سيكون هو الإطار القيّم والأنجع من أجل تحقيق الأهداف العليا للشعب.