الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العبث بمفهوم الشرعيَّة

الشرعية في حقيقتها صفة تُطلق على حالة تصل إليها الدولة فتُسمى شرعيَّة الدولة، أو النظام السياسي فتُسمى شرعية النظام، أو الحكومة فتُسمى شرعية الحكم، أيّاً كان مصدر هذه الشرعية، سواء جاءت من مصادر تقليدية تاريخية أم عرقية، أو مصادر كارزمية، أو مصادر عقلانية رشيدة تعود إلى رضاء الجماهير عن حكمه وسياساته، وطريقة وصوله إلى السلطة، وإدارته لها.

في كل تلك الحالات ومن كل تلك المصادر، فإن الشرعية هي صفة توصف بها الحالة التي يصل إليها النظام السياسي بأفعاله، ومن ثم فإنها توجد إذا وجدت الحالة التي يمثلها، وتزول إذ تغيرت الحال أو تبدلت، وبناء على ذلك فالشرعية تُكتسب وتُفتقد، تُوجد وتزول، يحصل عليها الحكم ويفقدها، فيكون شرعياً في لحظة، ويصبح فاقد الشرعية بعدها بلحظات، بناء على أفعاله وسياساته، وعلاقاته بالدستور والقانون، ومدى رضاء الشعب عنه.. بمعنى آخر فإن شرعية الحكم تدور وجوداً وعدماً مع سياساته وقراراته ومخرجاته وآدائه، فهي مرتبطة بمخرجات العملية السياسية بصورة دائمة.

وحيث إن الشرعية صفة يتم إطلاقها على حالة سياسية يتحقق فيها رضاء المجتمع عن الحكم وجوداً، وسلوكاً، وممارسات، ومخرجات، ونتائج، لذلك لا بد أن يظل الحكم محافظاً على الشرعية من خلال رضاء الشعب الذي يحكمه، وقبوله بحكمه وتمسكه بالولاء له، أما أن يعتقد البعض أن الشرعية يمكن أن تكون اسم علم لأي اسم شخص يظل لصيقاً به، طالما كان موجوداً، فهذا مخالف بصورة مطلقة لمفهوم الشرعية الذي يصف واقعاً معيناً، في لحظة معينة، لها شروطها ومتطلباتها.. فالشرعية صفة يمكن أن تزول إذا زالت شروطها.


وبالنظر إلى الحال في دولة ليبيا، فإن وصف نظام الميليشيات المسلحة في طرابلس الغرب بالشرعية هو في حقيقته مغالطة كبيرة، وعملية تسميم سياسي وتضليل للوعي الجمعي الليبي والعربي، فمخرجات مؤتمر الصخيرات عام 2015 كانت تؤسس لوضع مؤقت يعمل على توفير الوسائل لتأسيس شرعية ليبية من خلال عملية انتخابية، وهذه الكيانات التي تأسست بناء على اتفاق الصخيرات لا تملك شرعية لأنها ناتجة عن اتفاق برعاية أممية وهادفة الى العمل على تأسيس شرعية.. فهي وسيلة للوصول إلى الشرعية من خلال تمكين الشعب الليبي من التعبير عن إرادته واختيار حكامه، وتأسيس شرعيته.. ولكن للأسف سرقت عصابة الصخيرات الدولة والشرعية، ثم خانت الوطن، وسلَّمته للمستعمر العثماني البغيض، وتصر على سرقة مفهوم الشرعية تحت غطاء دولي من أصحاب المصالح في الاستيلاء على مقدرات الشعب الليبي.