الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أزمة مالي.. والفشل الفرنسي

كانت عاصمة مالي باماكو يوم 11 يوليو الجاري، مسرحاً لمأساة قمع دموي ضد المشاركين في مظاهرات شعبية عارمة ضد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وتقود هذه الحشود حركة 5 يونيو «M5» التي تضم تحالفاً لعدة جماعات تتبع الإمام ذي الشخصية المؤثرة والغامضة محمود ديكو، حيث أصبح هذا القائد الجديد مكلفاً رسمياً من جانب «لجنة غرب أفريقيا للتنمية الاقتصادية» بالتوسط في النزاع.

والآن، يرفض تحالف M5 الوساطة التي كان يقودها الرئيس النيجيري السابق جوناثان جودلاك، ولهذا السبب وصلت الأمور إلى طريق مسدود حتى وقت كتابة هذا المقال.

ومنذ عام 2012، أُصيبت دولة مالي بالشلل التام بسبب حربها ضد القبائل الإثنية من المقاتلين الإسلاميين المتطرفين، المنتشرين في المناطق الشمالية، ويحاول الجيش الفرنسي التصدي لهجمات هذه الجماعات المسلحة ولكن بكُلفة باهظة، وكل الجهود التي تهدف لتقوية الجيش الوطني المالي آلت إلى الفشل مثلما حدث في الدول المجاورة، ولا يُستثنى من ذلك إلا حركة M5.


والآن، وبعد مرور 60 عاماً على الاستقلال، ما تزال دول الساحل تعتمد على القوة العسكرية والدعم الاقتصادي والسياسي الفرنسي، ولقد فشلت تلك الدول تماماً بتعزيز المشاعر الوطنية في المجتمعات القبلية والإثنية، وما يحدث الآن في باماكو يمثل صورة أخرى للفشل الفرنسي في بناء دول حقيقية تقودها حكومات شرعية ومتفانية في خدمة شعوبها.


لقد كان التبديد الممنهج من نصيب أموال الصناديق التنموية حتى فقدت الغالبية العظمى من السكان فرصتها في التعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن تزايد الصعوبات المعيشية بسبب التزايد السكاني السريع وتراجع مساحات الأراضي الصالحة للزراعة ونقص مصادر المياه.

وشهدت السنوات الأخيرة زيادة في الصراعات الدموية المحلية حول حقوق استخدام الأراضي والأملاك الخاصة، واختارت مجتمعات رعي الإبل في الصحراء مهنة التجارة غير الشرعية عبر الحدود، أو انضمت إلى العصابات المسلحة «الإسلامية» لكسب الرزق.

وتضم دولة مالي 20 مليون مواطن، وتنتشر فيها مناجم الذهب ومزارع القطن الواسعة، وتكمن مشكلتها الكبرى في أنها مُسيّرة وكأنها ملكية خاصة من طرف النخب السياسية الفاسدة، وما يزال ممتهنو السياسة يستخدمون الإسلام السياسي ذريعة لبسط نفوذهم على الناس العاديين.

لقد حان وقت السلطات الفرنسية لتغيير مواقفها من الأزمات التي تعصف بدول الساحل، وأن تُفسح الطريق أمام القادة الشرعيين والأكفاء الذين يمكنهم إنقاذ هذه البلاد من الوقوع في الفوضى.