الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

«قذيفة عثمانية» في قرننا

هل من المبالغة القول: أن «أزمة كورونا» على كل مأساويتها وتداعياتها المؤسفة، هي في نفس الوقت ضربة حظ إضافيَّة لمطامع انقرة تحت حكم الحاكم بأمر بابه العالي رجب طيب أردوغان؟ لا أعتقد أن شخصاً مثل أردوغان كان سيطلب حظوظا أكثر من ذلك، وهو الأكثر مهارة في العالم باستغلال الفرص السانحة، بل حتى خلق تلك الفرص في تناقضات العلاقات الدولية، مدعوما دوما بتضليل دوغمائي شعبوي، في عالم صارت الشعبوية اليمينية فيه تغذي ذاتها بذاتها، فكل يميني إقصائي في هذا العالم هو بحد ذاته ضرورة لوجود نقيضه اليميني الإقصائي في الطرف الآخر.

حاليا، ضربات الحظ والفرص السانحة التي يتمتع بها أردوغان (وقد أسهم هو بخلق بعضها) تتكثف بمحيط عالمي مضطرب ومشغول بتداعيات الوباء العالمي، وبالنسبة للسلطان فما دامت صحته بخير وعافية فلا شيء يهم.

وهو الآن أيضا يستغل تراخي قبضة الشرطي الأمريكي (على علاته وحسناته) في فترة انتخابات رئاسية، وهي فترة فراغ موسمي تحدث كل أربع سنوات، والسياسة في العلاقات الدولية تكره الفراغ بطبيعتها.


ضربة الحظ التي استغلها أردوغان، بل وأسهم بصناعتها عبر سياسات «سوء الجوار» كانت بزياد حدة الخلافات الأوروبية ـــــ الأوروبيّة، فكان هذا الانشقاق الأوروبي الداخلي ورقة إضافيَّة لأردوغان في تحقيق أطماعه التوسعيّة عبر استراتيجية السيطرة على شرق المتوسط، الذي بالمناسبة هو جنوب أوروبا، وبالضرورة هو ذاته شمال أفريقيا.


فلك حينها أن تدرك حجم السيطرة والنفوذ، التي يمكن لأنقرة أن تحصل عليها عبر السيطرة غير الشرعيّة، وبالقوة والزحف الملتوي على مصادر الطاقة والمياه الإقليمية لشرق المتوسط عبر قبرص«الجزء المحتل تركيا منها»، وجنوب أوروبا خصوصا بالتعدي على المياه الإقليمية لليونان ومتاخمة إيطاليا واستفزاز الحدود البرية لشرق أوروبا عبر قضية اللاجئين، ثم النفوذ الذي يشكل تهديداً مستمراً لمصر وباقي شمال أفريقيا عبر الخاصرة الرخوة: ليبيا، وذلك التدخل السَّافر والتغطية الأكثر وقاحة بأن ليبيا إرث عثماني قديم لتركيا.

قصة كنيسة «آجيا صوفيا» في إسطنبول، ليست أكثر من ضجيج متعمد يغطي على أخطر تمدد توسعي في العالم حاليا، تمدد له ان ينتهي إلى سيطرة على أكبر مصادر الطاقة في العالم، وهو طاقة الغاز المتوفرة في البحر المتوسط، ويحرك سفنا تحمل أسماء أمراء بحر عثمانيين لم يعرفوا حدودا لأطماعهم وأطماع سلاطينهم المستبدين.

أردوغان، قذيفة نوايا سيئة انطلقت من قصر «طوب قابي» لتستقر في قلب القرن الواحد والعشرين.