الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الجيل القادم الضائع

ربما تكون موجة الخوف الأولى من تداعيات فيروس«كوفيد-19» قد بدأت تتلاشى على المدى القصير، إذْ بالرَّغم من أن عدد المصابين لا يزال في تصاعد متواصل، إلا أن عدد الموتى بسببه أصبح مستقراً أو متناقصاً، ولم يعد الناس يبالغون في الحذر منه بعد أن اعتادوا على تبنّي اجراءات تجنّب العدوى به خلال مسيرتهم الحياتية اليومية.

وتبقى ضرورة التحذير من عواقب ذات تأثير بعيد المدى تلوح في الأفق، وتوصف بأنها أشد خطورة من التأثيرات المباشرة للمرض.

ويتعلق الأمر بظهور موجة«الجيل الضائع» الذي سيُكتب على أفراده جميعاً أن يكونوا مجبرين على العزلة عن بعضهم البعض استجابة للقوانين والتعاليم التي يفرضها «الوضع الجديد»، وبذلك يفقدون الفرصة التي تسمح لهم بتحقيق تراكم «رأس المال الاجتماعي»، الذي يعني التنشيط الفعال للفئات الاجتماعية من خلال تقوية العلاقات بينها عند التلاقي والتجمع.


وفي عصر التباعد الاجتماعي الذي يفرضه فيروس كورونا، سوف يكون المتضرر الأكبر هو جيل الشبان صغار السن، وإذا كان يبدو أن الشبكات الاجتماعية الافتراضية يمكن أن تغدو ذات فائدة بالنسبة للأجيال الشابة الماهرة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا ليس صحيحاً.


وتتكاثر العديد من الوسائل والمنصات البديلة للأعمال في مجال الشبكات، ومشاركة المعلومات في الفضاء الافتراضي، ومعظم هذه الوسائل تلقى الترحيب، ويستخدمها مهنيون أكفّاء يمكنهم جني الفوائد من رأس المال الاجتماعي القائم، والاستفادة أيضاً من هذا النزوح الجماعي إلى الفضاء الافتراضي، وهذا يعني أنهم قادرون أن يجمعوا بكفاءة تامة بين فوائد العلاقات البشرية الواقعية والافتراضية ومضاعفتها، في هذه الظروف الاستثنائية الجديدة التي يقف وراءها انتشار فيروس كورونا.

وتتعرض مجموعة من المهنيين الشباب الذين التحقوا لتوِّهم بسوق العمل للإهمال، وتركهم خارج الشبكة، وبهذا يتم إبعادهم عن مصادر المعلومات القيّمة وكيفيات الصنع والإنجاز، والتي يكون قد تم تناقلها خلال المحادثات الحميمية في العلاقة البشرية الطبيعية.

ومن الواضح أن الاتصالات والعلاقات التي تتم في الفضاء الافتراضي، تكمل وتعزز العلاقات الإنسانية في العالم الحقيقي، ولكن، أثناء البقاء لفترة طويلة تحت تعاليم وإجراءات الوقاية من كورونا، سوف يخسر الجيل الجديد هذه الخبرة التراكمية.

وفي ظل هذه الظروف، سوف يكون أبناء وبنات القلة المحظوظة فقط هم القادرين على الاستفادة من العلاقات الاجتماعية، التي لا يتم تناقلها عبر الفضاء الإلكتروني، ويمكنهم بعد ذلك الدخول بسهولة إلى الشبكات الاجتماعية ليحققوا منها الفوائد المرجوة.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن القيود التي يفرضها الخوف من الإصابة بفيروس كورونا سوف تؤدي إلى تقوية مظاهر الانقسام في التصنيف الهرمي للمجتمع، وهذا يعني أن انقسامنا لن يكون ماديّاً فقط، بل سننقسم أيضاً بحسب الفئات الاجتماعية والأجيال.

وقد لا يكون كورونا» فيروس مرض قاتل وشرس، إلا أن تداعياته الاجتماعية أكثر إثارة للخوف، لأنها ستوجد صدوعاً عميقة وخطيرة بين الطبقات الاجتماعية والأجيال.