السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أُفق المصالحة في شمال أفريقيا

تعد إثارة فكرة المصالحة بين الجزائر وفرنسا بقرار سياسي صادر عن الرئيسَين الفرنسي والجزائري، مدخلاً أنثروبولوجيّاً مُهِمّاً لتمنيع منطقة شمال أفريقيا من الأخطار السياسية والثقافية التي تحدّق بها، ومن الانزلاقات التي قد تمسّ بهويتها وسيادتها، خاصة أنّ مخطّط القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي غيّرت تكتيكاتها باعتماد حروب بالوكالة، يعتمد أسلوبَين متناقضَين: الأول يقوم على التحكّم في علاقات دول المنطقة كالعلاقات المغربية ـ الجزائرية والتّظاهر بخلق توازنات بين طرفي هذه العلاقات، والثاني يجتهد في خلق الفرقة والكره المُبطّن بين دول المنطقة وأفرادها، إمّا بتشجيع الدّين المُسيّس وإمّا بإثارة النّعرة العرقية بين المكوّن العربي ـ الأمازيغي، وإما بإثارة سلبيات الذاكرة ومحو إيجابيَّاتها كما هو حاصل بين المغرب والجزائر.

إنّ التخوّف الذي يقض مضجع هذه القوى هو تحقّق مصالحات حقيقية ذات أفق وحدوي تكاملي، وبوعي سياسي يجعل من شمال أفريقيا منطقة سيادية تتمتّع بالقوّة، التي تجعل منها قادرة على التفاوض والانتصار لمصالحها أوّلاً.

أمّا عن اتفاق الرئيس الجزائري والرئيس الفرنسي بالاشتغال معاً، من خلال ممثليهما المستشار الرئاسي الجزائري عبدالمجيد شيخي والمؤرّخ الفرنسي بنجامين ستورا، على ملفات «الذاكرة الوطنية واسترجاع الأرشيف الوطني» في سياق البحث في «ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر»، والذي من المتوقع أن تصدر نتائجه مع نهاية العام الجاري، فإنّه يعد منعطفاً دبلوماسياً في المنطقة يحمل كثيراً من الإيجابيات، خاصة أنّ المنطقة تعرف تهديدات مباشرة وأخرى خفيّة تهدف إلى تفتيتها.


ومن هذه الإيجابيات، استعادة البعد الرّمزي لمواجهة الكراهية بمختلف أشكالها، متمثلاً في الكشف عن الحقيقة والاعتراف بأخطاء الماضي مع العمل على طيّ صفحاته المؤلمة، وإذا كان الهدف المباشر هو تحقيق مصالحة نهائية بين الشّعبين حسب تصريح الإليزيه، فإن إيجابيَّته الكبرى تكمن في الاعتراف ببشاعة الاستعمار والالتزام بعدم تكرار ما حدث، وهذا له دلالته في أفق خلق توازنات جيوـ استراتيجية وسياسية تعتمد على الحلول الدبلوماسية عِوض التدخلات العسكرية المباشرة كما هو حادث اليوم مع تركيا في ليبيا، كما أنّ هذه المصالحة ذات الطابع الخارجي قد تكون محفِّزاً لمصالحة داخلية بين دول المنطقة، خاصة بين المغرب والجزائر، وهو الطلب الذي لم ينفك الشعبان اللذان تجمعهما وحدة الذاكرة والوجدان على المطالبة بتحقيقه.


إنّ مستقبل شمال أفريقيا، اليوم، وتمنيعه من كلّ الأخطار التّي تتربص به، رهين بعقد مصالحات داخلية لا تقوم على سلام الذّاكرة فقط، وإنّما على سلام السياسة وسلام المصالح.

وما دام أنّ منهجية ومضمون «ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر» مستمدَّان من روح هيئة الإنصاف والمصالحة كما تمّ إقرارها في المغرب بهدف البحث عن الحقيقة وتقييم الضرر، من الأليق أن تكون منهجية هذه الهيئة استناداً إلى مبادرة «الذاكرة الوطنية واسترجاع الأرشيف» إطاراً مرجعيّاً حقيقيّاً لمصالحة داخلية في شمال أفريقيا.