السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

التنوع والتميز.. واستمرار التخلف

معضلة السودان المستمرة في عدم التفات الأحزاب للتفكير في وضع رؤية استراتيجية لإدارة الدولة، بقدر انشغالها بالصراع حول السلطة كما نشهد هذه الأيام، الأمر الذي ما يزال يسبب ضرراً بليغاً نتيجة لضعف الدولة، وفقر الوعي بالممارسة السياسية، وعدم الاتفاق على هدف استراتيجي شامل، يؤسس للحرية والسلام والعدالة.

بقليل من التأمل نجد أن هناك بُعداً ظل مفقوداً في الحكومات السودانية، منذ أن أصبح بلداً مستقلاً في القرن الماضي، وحتى الحكومة الانتقالية الحالية، ذلك البُعد يتجسد في كيفية ممارسة السياسة، وكيفية إدارة الدولة والتخطيط لها، ومدى انتهاج الأساليب العلمية في ذلك، بما يؤدي إلى تحقيق مصالح الوطن ومصالح الشعب المادية والمعنوية.

فإذا أجرينا مقارنة بسيطة بين السودان وعدد من دول النمور الآسيوية (ماليزيا، وإندونيسيا، وسنغافورة ودول أخرى) في فترة ما بعد الاستعمار، يتضح لنا من خلال المزايا الهائلة للسودان من الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية الشاسعة، وخدمة مدنيَّة متنوعة ومتقدمة (حينها)، وموقع متميز بالقرب من الأسواق العالمية والعربية والأفريقية، وموارد بشرية مهدرة، في مقابل وضع مختلف تماماً في تلك البلدان، حيث إن هذه الدول كانت فقيرة من حيث الموارد الطبيعية، وبعيدة جغرافياً عن أسواق العالم، مع أضرار معنوية ومادية بعد الحرب العالمية، وعلى الرغم من هذه الظروف السلبية إلا أنها أضحت ذات وزن دولي.


وبالتمعن بعمق في أسس صعود الدول الآسيوية نجد أن البداية كانت في التوصل إلى اتفاق وطني حدَّد البنود والأسس والمسائل الاستراتيجية، ومعايير التخطيط لها غير المتنازع عليها، وعلى رأس تلك البنود والأسس: الاتفاق على أن الاعتراف بالتنوع الثقافي كعنصر قوة للدولة، وجب تقنينه ووضعه في المجرى الصحيح ليصب في تيار نهضتها.


وقد وضعت الأولوية على ألاّ يتم ترك أي بند استراتيجي غير متفق عليه بين القوى السياسية والعلمية في الدولة، باعتبار أن أخطر ما يمكن أن يواجهها ويسبب لها عدم الاستقرار هو استمرار عدم الاتفاق حول الأمور الاستراتيجية.

فيما إذا نظرنا إلى واقع الوضع السياسي السوداني، مقارنة بتجارب تلك البلدان، نجد أن جميع العناصر والأسس المذكورة والتي اعتمدتها، مفقودة في التجربة السودانية منذ استقلاله وحتى اليوم، وبذلك يكون تطور السودان، واستقراره من واقع تنوعه وتمييزه، مرهوناً بمدى وجود اتفاق وطني استراتيجي بين القوى السياسية حتى يخرج من نفق التخلف.