الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

البرلمان التونسي.. وعبث الغنوشي

كانت جلسة البرلمان التونسي، الخميس الماضي (30 يوليو)، التي خُصِّصت للتصويت على لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، حدثاً مثقلاً بالدلالات السياسية.. وتقديم اللائحة عكَسَ حالة عامة من التبرّم السياسي من أداء رئيس البرلمان، الذي ظل وفيّاً لحركته ومصالحها أكثر من التزامه بموقعه في مجلس النواب بكل ما يقتضيه الموقع، دستوريّاً وسياسيّاً، من حياديّة وتجميع وتركيز على المشتركات الوطنية، لذلك يمكن فهم الحدث من مدخلَين، هما: باب السياسة وباب الأيديولوجيا.

لقد قدَّرت الأحزاب السياسية الداعية إلى سحب الثقة من الغنوشي أن الرجل أساء استخدام منصبه، وحاد به عن أدواره التي نصَّت عليها فصول الدستور، وشدَّدت عليها المعايير السياسية الدولية، لذلك اتفقت الأحزاب الوطنية، بمختلف مشاربها وحساسياتها، على أن الأنسب للبلاد أن ينزل الغنوشي من عليائه ومن سدة البرلمان، تخليصاً لتونس من منحدر الاستقطاب الذي أودتها فيه حركة النهضة، وكان التقدير سياسيّاً من زاوية دوافعه ومآلاته، كما من زاوية الإجماع الذي حظي به.

وجاء رد النهضة أيديولوجياً مغرقاً في التراث الإخواني، حيث عادت قيادات الحركة إلى تراثها لتغرف منه ردوداً ومواقف، لم تخرج عن مفردات المظلومية والإقصاء والعداء للإسلام والمؤامرات الخارجية.


انتصرت النهضة في معركة رئاسة البرلمان لجماعتها أكثر من انتصارها لتونس، وكان وجود الغنوشي على رأس البرلمان أهم عندها من مصلحة البلاد التي تأثرت بالجو السياسي المشحون، الذي أنتجه وجود رجل أصرَّ على أن يكون نهضوياً في موقع سيادي، ورابط في مواقعه العقائدية حتى حين تطلَّب منه الأمر أن يكون مسؤولاً تونسيّاً منتخباً.


لذلك كان قيادات النهضة على استعداد لحل بالبرلمان مقابل بقاء الغنوشي في منصبه، تبعاً لما قدَّموه من براهين على أنهم يقرؤون الحدث من زاوية كونه تهديداً وجوديّاً لمستقبل الحركة، أكثر من كونه إعادة للمؤسسة البرلمانية إلى مدارها الدستوري السليم.

بين الفعل السياسي المشروع ورد الفعل الأيديولوجي المتوتر، يمكن اعتبار أن الحدث يتّخذ أهمية قصوى تتجاوز النتائج التصويتية، إلا أن وجود الغنوشي على رأس البرلمان يمثل أوّلاً خطراً على مستقبل البلاد، ويعكس ثانياً تحديّاً لحركة النهضة نفسها، إذ يطرح داخلها أسئلة كثيرة عن ديمقراطيتها الداخلية، ويعبر ثالثاً عن البون الشاسع بين حسابات السياسة وأمراض الأيديولوجيا، ويلخص في المقام الأخير، صراعاً مكثفاً بين دولة مدنيّة تكابد من أجل تثبيت أقدامها، وبين جماعة إخوانية تواظب على قراءة كل الأحداث من مدونتها الدينية.