الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

واشنطن وبكين.. حرق سفن العودة

في كتابه «فن الحرب»، يقول الجنرال والفيلسوف الصيني صن تزو: «إذا كان غريمك سريع الغضب، فاحرص على مضايقته وإثارة غيظه»، وقد يكون هذا تماماً ما تفعله الصين اليوم مع الولايات المتحدة الأمريكية، فمن مناورات بحر الصين الجنوبي إلى الزحف تجاه الشرق الأوسط والسيطرة على اقتصاد الكثير من دول العالم، وأخيراً محاولة لي عنق العقوبات الأمريكية على إيران عبر اتفاق شراكة استراتيجيَّة بين بكين وطهران، تكون الصين قد بدأت فعلاً مضايقة أمريكا.

ما يجري بين الدولتين هو صراع واضح بغض النظر عن تسميته حرباً باردة أو ساخنة، والثابت في الموضوع أن قيادتي الدولتين تمكنتا خلال السنتين الماضيتين من إعادة طبيعة العلاقة بينهما إلى ما قبل سبعينات القرن الماضي، عبر إعادة أجواء الشحن الشعبي، فبحسب آخر استطلاع للرأي، فإن 73% من الأمريكيين لديهم نظرة سلبية تجاه الصين، مقارنة بـ47 % قبل عامين فقط.

النغمة الأمريكية التي تعمل على اجترار خطابات العهود السابقة، كتصريح وزير الخارجية مايك بومبيو بأن الحزب الشيوعي الصيني هو «التهديد الأساسي في عصرنا» لم تعُد تجدي نفعاً، فالعالم اليوم يركز على مصالحه السياسية والعسكرية والاقتصادية حيث يجدها، لذلك تواجه واشنطن اليوم صعوبة في التحشيد الدولي ضد الصين، لأن أغلب دول العالم تنأى بنفسها عن دائرة الصراع بين البلدين، وقد يكون ذلك لقناعة البعض بواقعية نظرية أُفول نجم أمريكا.


العلاقات بين البلدين وصلت إلى مرحلة حرق سفن العودة، ولا يمكن إصلاحها وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، حتى ولو فاز الحزب الديمقراطي بالانتخابات، فأي جهد قد يبذله جو بايدن سيصطدم بالرأي العام الأمريكي بشقيه الجمهوري والديمقراطي.


باختصار، العالم يتغير والصين برغم أنها لا يمكن أن تقدم على مواجهة عسكرية مع أمريكا، وليست لديها القدرة حالياً على نشر آلاف القوات في مناطق متعددة من العالم لبسط سيطرتها، فإنها نجحت تماماً في زعزعة المكانة الأمريكية عبر الشراكات والتحالفات الاقتصادية مع العديد من دول العالم، وهذا كله لا يتم بمعزل عن روسيا التي تعمل على خلخلة النفوذ الأمريكي في كثير من مناطق العالم، وفي مقدمتها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.