الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المغرب.. خطاب العرش والرؤية استباقية

قدّم ملك المغرب خطاباً بمناسبة عيد العرش تضمّن تشخيصاً ومبادرات للخروج من أزمة مغرب ما بعد كوفيد-19، المهم في هذا الخطاب ليس الجرأة أثناء التشخيص، وإنّما في قيمة الحس الاستباقي لما ستترتب عنه نتائج الوباء الاقتصادية والاجتماعية، وفي اقتراح حلول للحد من الآثار السلبية.

إنّ مناسبة الوقوف عند هذا الخطاب ليس من أجل إبراز خاصية محليّة مغربية في الحكومة، وإنّما من أجل طرح سؤال أكثر شمولاً يتعلق بمصير العالم، خاصة الدول الضعيفة والنّامية ومنها منطقتنا العربية أمام تزايد مخيف للعدوى وعدم احتراز المواطن ضد الفيروس.

ولبيان المقصود يُستحسن إبراز المحاور الكبرى التي عرض لها خطاب العرش.


فبعد أن وضَّح الخطاب عملية صرف ميزانية الصندوق الخاص لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء تحرياً للشفافية، انتقل إلى تقديم بدائل لمعالجة انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية برؤية مستقبلية شاملة تنص على إطلاق خطة للإنعاش الاقتصادي، تُمكّن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها وتأهيلها، لتوفير مناصب الشغل والحفاظ على مصادر الدخل.


في هذا الإطار تمّ الإعلان عن ضخ حوالي 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني المغربي، أي ما يعادل 11% من الناتج الداخلي الخام، وهذه النسبة ستجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداماً في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد هذه الأزمة.

وتحصيناً لهذا التوجّه، تمّ الإعلان عن إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي وظيفته دعم الأنشطة الإنتاجية ومواكبة تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاع العام والخاص.

وبالإلحاح على الطابع الاستعجالي لمعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسّسات والمقاولات العمومية، دعا الخطاب إلى إحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.

العبرة هنا، أنّ ملك المغرب بادر إلى التواصل مع المجتمع لضخ نفس متجدّد في التعاقد الاجتماعي، الذي يجمعهما عن طريق تقديم مبادرات استباقية تحكمها رؤية واضحة، وتتخلّلها دعوة صريحة إلى تعبئة وطنية شاملة.

صحيح أن البحث عن خطط بديلة لمعالجة أزمة ما بعد الجائحة هاجس يؤرّق كل دول العالم، لكن الذي يغيب في هذه الخطط التي يُحاك أغلبها في «مختبرات» سريّة، هو التواصل مع المواطن، والسّهو عن إشراكه في القرارات الكبرى التي تهمّ مصيره، لأن الجائحة قبل أن تكون اقتصادية واجتماعية، فهي إنسانية تنطلق من أزمة الفرد أولاً لتصل الجماعة.

أهمية خطاب ملك المغرب، أنه تواصلي وإشراكي يروم بلورة إرادة مشتركة في مواجهة الأسوأ، إذا قدّر الله لهذا الوباء أن يتطور على نحو كارثي.

وإن غياب التواصل والإشراك، هو الذي أوصل أمريكا وغيرها من الدول الكبرى إلى الارتباك، واستهتار مواطنيها بالوباء والتمرد ضد أيّ أشكال الوقاية والاحتراز، ومن ثمة إلى تمرد اجتماعي واضح، وإن الصورة التي سيكون عليها العالم ما بعد كوفيد-19، إذا لم يتواصل رؤساء الدول مع مواطنيهم، قاتمة ومخيفة.