الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لبنان.. و«التنميط العربي» الظالم

ظلمت الصورة النمطيّة لبنان إلى حد اختناقه بها، وهو يمر بكل كوارثه ومآسيه وتراجيدياته منذ حروبه الأهلية حتى اليوم.

دوماً هناك استحضار «عربي» عام لصورة الضيعة اللبنانية اليوتوبية الوادعة في أغنيات الرحابنة وفيروز، ولسبب ما قرَّر مثقفون أغلبهم من اليسار في سبعينيات القرن الماضي أن يربطوا تلك الفيروزيات والرحبانيات بأوقات الصباح، ثم بفنجان قهوة لا يشربه المثقف، لأنه مثقف فهو يحتسيه أو يرتشفه!

هناك نمطيَّة شوارع بيروت بمقاهيها الباريسية، مع أن بيروت ليست كلها كذلك، ومحليتها الخاصة بها أجمل من كل شوارع باريس، فالمعجنات بمطعم شعبي لا يعرفه السياح في زاوية من زوايا برج حمود، بصمة بيروتية خاصة تعكس قمة التعددية اللبنانية.


هناك دوماً استحضار صخرة الروشة، والتي خلدتها أفلام السبعينيات الملونة على أنها صخرة العشاق، لكن ساحل لبنان المطل على المتوسط أكبر من شواطيء بيروت «المأسوف عليها اليوم»، ومدينة صور، مثلاً لا حصراً، كانت أقدم أبواب الشرق على البحر الأبيض والعالم من خلفه.


هناك فهم خاطئ للانفتاح اللبناني وتفسيره بمعانٍ خاطئة ومنحرفة، لكن تلك لم تكن مشكلة لبنان بقدر ما كانت مشكلة توسيع نمطيّة لبعض شوارع بيروت ليشمل كل لبنان، وهي نوعية شوارع موجودة في كل مدينة عربية تقريباً.

وفي المأساة الأخيرة في انفجار مرفأ بيروت، وبعيداً عن الحالة «الشرلوكية» التي داهمت معظم الكتاب وأشباه المحللين في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن رد الفعل والتعاطف مع تلك الحادثة المفجعة كان واسعاً في العالم العربي، لكنه ومع اتساعه وصدق الحزن فيه، إلا أنه في كثير من صوره لم يكن إلا انعكاس الأمنيات عن لبنان لدى كل شخص عبَّر عن حزنه.

مثلاً، انتشرت أغنية ماجدة الرومي من كلمات الراحل نزار قباني «ست الدنيا يا بيروت» أو أغنية فيروز من كلمات العبقري الراحل سعيد عقل «لبيروت من قلبي سلام لبيروت»، وهي أغنية حديثة نسبيّاً، قياساً بتاريخ لبنان في وجدان اللبنانيين.

لكن الأكثر انتشاراً بنمطية فادحة الخطأ، كان رسمة للفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي، وفيها يطل «حنظلة» الفلسطيني على كوة جدار تطل منه فتاة حزينة، ويخاطبها الرسام بقوله: صباح الخير يا بيروت.

تلك رؤية فلسطينية خاصة، لا يجتمع عليها اللبنانيون، ولا البيروتيون، وقد سمعت ذلك من صديق لبناني وجد أن الرسم مستفز لا متعاطف.

ظلمنا لبنان بتنميطه، وعلى مزاجنا الخاص طوال عقود، ولبنان فعليّاً هو كل ما تخيلنا وما لم نتخيل.