الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

لبنان.. وتبنّي عودة فرنسا

لم يكن قيام أكثر من 36 ألف لبناني بتوقيع عريضة عقب انفجار مرفأ بيروت، يريدون فيها عودة الانتداب الفرنسي إلى لبنان، عملاً منطلقاً من فراغ، فعظم الصدمة جعلت طبيعة رد الفعل الساخط للبنانيين تتجاوز مقولة السيادة والاستقلال، وتضعها في فراغ لا معنى له في هذه اللحظة التاريخية، أمام انهيارات عظمى.

لبنان كان من الدول القلائل التي بقيت في عين الرعاية الدولية لأسباب تتعلق بتشابك ملف المنظمات الفلسطينية، وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، فضلاً عن الملف المستحدث بعد عام 1982 في بروز حزب الله وحركة أمل في تركيبة مسلحة، لتصطف مع أحزاب مسلحة أخرى كانت في سياق الحرب الأهلية، ومن ثم انفراد حزب الله بالدعم الإيراني ليكون ذراع طهران في ملف لعبة الحرب المسيّسة مع إسرائيل.

العالم غير معني بلبنان إلا من خلال هذا الموقع الجيو ـ سياسي في ظل أزمة الشرق الأوسط المستمرة والسلام الخادع، وماعدا ذلك يمثل لبنان عبئاً على الدول الكبرى وبعض الدول العربية، التي بدأت تخفف من علاقاتها الارتمائية مع أطراف الصراع اللبناني.


دعوة لبنانيين لعودة المستعمر مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لها دلالات عميقة في رفض الوجود السياسي والإقرار بفساده وعدم أهليته، وأن نظام العولمة كفيل بإنتاج صيغة استعمارية جديدة تتكفل باحتواء الوضع اللبناني إجبارياً، إذا لم يستجب للإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي، وهذا أمر لا تتوافر له عوامل الاستجابة.


ما قاله ماكرون في زيارته حول اقتراحه قيام ميثاق سياسي جديد للبنان، يعني بالضرورة، في حال تقريب تلك الدعوة للواقع، تأسيس نظام سياسي جديد للدولة، لكن لا أحد يعلم ما هي الحدود التي سيمضي إليها هذا المشروع في حال أصبح واقعاً مفروضاً بقوة الاقتصاد والعلاقات الدولية على الاقطاعيات السياسية، وهل تستطيع فرنسا وحدها المضي في تبني هذا المشروع؟

الزلزال وقع في انفجار مرفأ بيروت، لكن الهزات الارتدادية ستطال جميع التركيبات السياسية والاجتماعية في لبنان، وستدفع إلى ظهور واضح لقوى جديدة مشتقة من معاناة الشارع، ومن النُخب التي جرى تهميشها وتغييبها تحت أغطية الطائفية السياسية والتوافقات المنخورة بالفساد منذ اتفاق الطائف.

قوى المجتمع وحدها بحاجة لدعم من الخارج لأنها مستلبة بقوة الاستهداف المزدوج بالطائفية والسلاح، لكي تولد روح جديدة في مجلس نيابي جديد لا يخضع للمومياءات السياسية، وينزع نحو الشفافية الضامنة لمراقبة شرايين الاقتصاد وقطاع البنوك.