الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

عودة الاستعمار ليست حلّاً

طلب لبنانيون من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لدى زيارته لبيروت الأسبوع الماضي بإعادة بلدهم إلى الانتداب الفرنسي، لإنقاذهم من الحكومات والأحزاب التي عاثت فساداً وخراباً في بلدهم. وبعد ذلك بيومين، اقترح عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك، تنظيم طلب بعودة الاستعمار البريطاني لإدارة العراق للأسباب ذاتها. هذه المطالب والمقترحات، وإن لم تكن جادة، إلا أنها تكشف عن تحول خطير في واقع الدول، التي ناضلت شعوبها وضحت بالكثير من دماء أبنائها من أجل نيل الاستقلال والسيادة، لتعود بعد عقود من الزمن وتعبر عن ندمها لإجبار المستعمر على الرحيل، وآل مصيرها إلى أنظمة فاسدة أحالتها إلى خراب. اللبنانيون لم يطالبوا بعودة الانتداب الفرنسي بسبب حادث تفجير مرفأ بيروت، الذي راح ضحيته أكثر من 150 قتيلاً والآلاف من الجرحى، ودمر ما يقرب من نصف مباني العاصمة اللبنانية وبُناهها التحتية، بل إن نترات الأمونيوم التي أثبتت الدلائل أن ملكيتها تعود لميليشيات حزب الله، قد فجرت غضباً شعبياً عارماً نتيجة تراكمات عقود من القهر اليومي الذي يتعرض له المواطن اللبناني، بسبب الأزمات السياسية والخلافات بين الأحزاب الطائفية المتحاصصة، والفساد المالي والإداري الذي قاد الشعب إلى العوز والحاجة وانهيار الاقتصاد، وبالتالي هدَّد بنية المجتمع وتماسكه، وقبل ذلك بعقود كانت الحرب الأهلية قد آتت أُكلها. لم تنطلق مطالب اللبنانيين بعودة الانتداب الفرنسي لعدم أهليّتهم لحكم أنفسهم وإدارة اوضاعهم، بل لسيطرة ثلَّة من الفاسدين والطائفيين على الحكم بالقوة والترهيب والقتل وسرقة أموال الشعب، ولتمكن ميليشيات حزب الله المدعوم من قبل إيران، من التحكم بمصير الشعب اللبناني بالقوة. والأمر ذاته ينطبق على العراقيين الذين يعانون منذ 17 عاماً من ترهيب الميليشيات الموالية لإيران وسيطرة أحزاب الفساد على مقادير واحدة من أغنى دول العالم، متذرعين بالمحاصصة الطائفية في تقسيم الثروات فيما بينهم، بعد أن قتلوا الآلاف من العراقيين وخربوا العراق تماماً. ولو تأملنا كلا النظامين الحاكمين في العراق ولبنان، لاكتشفنا وبوضوح أن العامل المشترك لتدمير البلدين هو إيران وأياديها الخبيثة، التي لا تزال تعبث بمصير شعوب المنطقة من خلال ميليشياتها المسلحة والأحزاب الموالية لها تحت عباءة الطائفية.