السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

المؤسسيَّة في الفكر العُمَري

للفكر الإداري المعاصر، والذي يغلب عليه الطابع الغربي، جذور عربيّة وإسلامية من الصدر الأول، ولا يتعلق الأمر ببضع كلمات هنا وهناك، ولكن بممارسات ومنهجيّات عمل تتطابق مع المنهجيات الإدارية والمؤسسية المتعارف عليها حالياً، ولعلها الحقيقة التي تفسر جزءاً من سر رسوخ قدم الدولة الإسلامية واتساع رقعتها الجغرافية، واستمرارها لأكثر من ألف عام. ويعتبر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مؤسساً لتلك المنهجيَّات بطابعها الإسلامي، فبمجرد توليه الخلافة، قام بعزل صديقه وأحد أعظم القادة العسكريين في التاريخ وهو خالد بن الوليد بما يعرف حديثاً بـ«التدوير الوظيفي»، منطلقاً من فكرة أن الدول والمؤسسات يجب ألا ترتهن مقدراتها ومصيرها بشخص واحد ولو كان بعظمة خالد بن الوليد. وهو الذي أسقط الجزية عن الشيخ اليهودي الذي رآه يمد يده يسأل الناس ليُطعم عياله، وأجرى له راتباً شهرياً من بيت مال المسلمين، كدليل آخر على فكره المؤسسي لما يعرف الآن بالضمان الاجتماعي ومعاش التقاعد. ويعتبر أول من فرض سياسة الباب المفتوح على المسؤولين كشرط من شروط تولية الولاة، بـ«ألّا يتخذوا باباً دون حاجات الناس»، كما أنه أول من وضع تقليداً بتأريخ الكتب وأرشفة المراسلات. كما اتّخذ محمد بن مسلمة الأنصاري كأول مفتش عام للدولة لمتابعة الولاة والتحقق من الشكاوى التي ترد ضدهم. وأخيراً، تجلى الفكر المؤسسي للفاروق بأبهى صوره عند وضعه أول نظام إداري للدولة الإسلامية من خلال تأسيس الدواوين، أي الإدارات بالمفهوم الحديث، فالديوان كما عرّفه الماوردي هو موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال.